×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

مراسيل ..!
سديم العطوي

يا من يسلَم لي على الغالي .. ويجيب لي منه مراسيله

في الحقيقة لا أملك صوتاً كصوت " هيام يونس " , لكني رغم ذلك سأغني .. للذكريات .. للزمن الجميل .. للحب للتنهيد .. للوجد والتحنان .. للصوت القادم من بعيد .. صوت الأصحاب والأحباب .. للشوق الذي كان يحمله ساعي البريد .

وهنا وبين أوراقي المبعثرة رسالة عمرها ثلاث وعشرين سنة , أثارت أشواقها شجوني وحركت مدامع قلبي , جاءت من وراء البحر المحيط تحمل بين طياتها شوق الصديق للصديق . ولم ينس صاحبها أن يذكرني بنعمة الاسلام ويحمد الله أننا عرب . ولعل المغتربين طوعا أو كرها هم من أشد الناس تلهفاً وشوقاً للمكاتيب حيث كنت أستمع لأحدهم وهو ينادي من بلاد المهجر بصوت تخنقه العبرات فيقول في آخر قصيدته عبر الأثير " يَاْ عِيْدُ عُدْتَ، وَمَاْ عَاْدَتْ قَوَاْفِلُنَاْ ... وَلاْ أَتَاْنَاْ ـ وَرَاْءَ الْبَحْرِ ـ مَكْتُوْبُ " .

وكان أول مكتوب أبعثه إلى صديق حين تعلمت " فك الخط " عجيب وغريب . فقد كتبته على ورق كيس أسمنت أتت به الريح من مكان بعيد , وصنعت له مغلفا من ذات الورق , ولزقت أطرافه بالسكر المذاب . المهم أن يصل شوقي الى صاحبي , شوق بطعم السكر .

ومن ورق الاسمنت الى الأوراق المزخرفة ومن ظهور المطايا الى حجرات السيارات والطائرات ومن الرسائل الورقية الى أشرطة الكاسيت . وها هو المعلم زعبلاوي يستمع الى الرسالة الصوتية وقد كنت أتابع معه أصوات العائلة ومن حضر من الجيران . والحاج عطوان يهديك السلام والست جمالات والست فتحية والأسطة فرج .. والواد حسنين عايز طربوش , وكلام كثير .. ولم تنس العائلة أن تبعث بصوت الوزة والجاموسة .

لا بد وأننا في عالم يعشق السرعة وكلما زادت السرعة قلَت متعة الشوق .. وها هي الرسائل الإلكترونية التي تجوب الأرض عرضا وطولا فتصل غايتها في لمح البصر .. لذلك انتهى عصر المكاتيب وانتهى معه عصر هيام يونس وفيروز .. أما أنا فما زلت أحتفظ بالعديد من الرسائل المخبوءة في صندوق أوراقي وهي لا تقبل " delete " لأنها تمثل لي زمنا كان فيه الشوق " قلوب تعانق قلوب " وليست " خشوم تناطح خشوم " كما هي الحال اليوم . زمن كان فيه الشوق يحملنا بدون أحذية


دمتم في رعاية الله أحبابا
بواسطة : سديم العطوي
 12  0