×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عوده الحويطي

لا حياة في ضباء "1"
عوده الحويطي

لا حياة في ضباء "1"

في خضم العطشى يقف العم "محمود" أمام تحلية "ضباء". الناس مزدحمة والضجيج مرتفع هناك للحصول على فاتورة الماء. يحاول العم "محمود" الوصول للموظف ليعطيه عنوان بيته ويكتب له ذلك الموظف فاتورة محدداً فيها موعد "الوايت" الذي يأتيه بالماء.
الإنتظار وسط الزحام يصيب العم "محمود" بمزيد من التوتر والصداع. لا احترام لوقار الشيب أو لكبير أو صغير فكلهم عطشى يتصارعون لأجل الماء، لأجل الحياة والبقاء.
وبعد انتظار طويل وصل اخيراً ..
- أريد فاتورة ياولدي بيتي رقم "7" في حي "البئر"
- حي "البئر" يقع في "الفريع" أليس كذلك؟
- نعم ياولدي
- أقرب موعد بعد أسبوع ياعم.
- ليس لدي ماء، وأسبوع بعيداً جداً، كيف أتدبر أمري نحن بحاجة ماسة للماء.
- كل الناس بحاجة للماء ياعم . ألا ترى هذه الجموع.
ليس "الفريع" وأحياءه هو المكان الوحيد الذي لا يوجد فيه ماء، فأغلب احياء "ضباء" تعاني الشح كـ "الضاحية "و"القادسية "و"عيانه" و"الغال" فكلها تعاني من ندرة المياه .
ذهب العم "محمود" إلى كلية البنات ليأخذ ابنته ثم انطلق إلى "الفريع" ذلك المكان الظامئ الذي نشاء على هامش مدينة "ضباء" وذلك لعدم وجود المساكن المتاحة للكثير من الناس البسطاء فجاءوا هرباً من غلاء الإجارات وفراراً من البنك العقاري. كل منهم احتجز مساحة مجانية من الجبل وأقام فوقها مبنى شعبي بسيط يحتويه مع أسرته. في ما مضى كانوا سكان هذا المكان قلة لا يتجاوزون عدد الأصابع وكلهم كانوا في حي واحد وهو "الصفر". ولكن في السنوات الأخيرة إزداد عدد الأحياء فأصبح هناك حي "الصفر", "الفريع", "البئر".... ، ولكن اسم "الفريع" قد غلب على الجميع فأصبحت كلمة "الفريع" تعني كامل المكان هناك.
سكن العم "محمود" حي "البئر" في "الفريع" عندما أحيل إلى التقاعد قبل عام. عام كامل وهو يصعد و ينحدر ذلك الحي المختبى خلف جبال الصفر التي تحجز "الفريع" عن مدينة "ضباء" وكأن هذا المكان محكوم عليه بالنفي والهلاك . من يرى "الفريع" يشعر أنه لا يمت لمدينة "ضباء" الجميلة بأي صلة . فهو عبارة عن أحياء مكتظة ببيوت عشوائية متناثرة هنا وهناك، شوارعها ترابية ضيقة لا نهايات للكثير منها. كل البيوت هناك تجد إلى جانبها أحواش أغنام أو أعشاش طيور. في "الفريع" أناخ الساكنون أحلامهم البسيطة عندما قدموا لأول مره . ولكن لم يدر في خلدهم أن لا حياة في ذلك المكان. فلا حياة بلا ماء. ((وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيَ))
عاد العم "محمود" للبحث عن أصحاب "الوايتات" الذين يتاجرون بالماء ليأتيه أحدهم بالماء. لا يعلم كيف أن أصحاب هذه "الوايتات" يبيعون الماء الذي يجلبونه من نفس المكان الذي أُخبر فيه بأن أقرب موعد بعد أسبوع. ولكنه تنهد مستدركاً :
- الله يرزق الجميع.
هناك ثلاثة طرق تربط "الفريع" "بضباء". طريق "الصفر" و "ضحكان" والثالث يخترق جبال الصفر من المنتصف. طريق "الصفر" هو الطريق الذي يسلكه العم "محمود" صباح مساء. في الآونة الأخيرة أصبح يرى بجانب جبل الصفر أحجار وأعمال بناء قائمة. حيث يبنون صوراً صغيراً بجانب الوادي وممر معبد إلى كهف صغير في الجبل. سأل العم "محمود" عن ذلك البناء فأخبروه بأن ذلك الكهف مكان تاريخي والآن يريدون ترميمه.
لم يسمع العم "محمود" وهو ابن "ضباء" أن لهذا المكان صبغة تاريخية كما انه لا توجد أي علامات على وجود سور قديم في هذا المكان حتى يقوموا بترميمه. المعلم التاريخي الوحيد في هذا المكان هو "بئر ضباء" القديم والمهدم الآن. فهو على بعد عشرات المترات فقط من هذا المكان الذي يحتفى به. ومع ذلك لم يلتفت إليه أحد وترك خرابا. ترك ذلك "البئر" الذي سقى "ضباء" على مر القرون واُهتم بهذا الكهف الصغير الذي لم ترد له أي قيمة تاريخية في ما مضى. وهل "ضباء" ينقصها التاريخ ليزور لها تاريخ. لماذا يترك التاريخ الحقيقي مهدما بينما يتم بناء تاريخاً بخداع الناس؟
كل مره يعبر فيها العم "محمود" من هذا الطريق يتسأل حتى أصبح موغلاً في تساؤلاته:
- لماذا يزور التاريخ وتصرف الأموال والوقت في وهم بينما يترك الحاضر؟. أي تاريخ أهم من الإنسان؟. ماذا لو إنشئ بها مشروع ماء "للفريع"؟. لماذا لا يتم ترميم "بئر ضباء" القديمة وتسقى منها أحياء "الفريع"؟. إنه لمؤلم حقاً أن نعاني من معضلة الماء في "الفريع" بينما تصرف الأموال في حينا على تزوير تاريخ لنا. وماذا عسانا أن نفعل بالتاريخ ونحن نموت عطشاً ناهيك عن كونه تاريخاً مزوراً.

يتبع ......
بواسطة : عوده الحويطي
 26  0