×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

على جناح الطير !
سديم العطوي

في هذا المقال المستعجل لن أبعث سلاما إلى أحد ، فمؤشر " داوجونز " للسلامات قد هبط هبوطا ذريعا هذه الأيام ، وأصبحت التحية والسلام أثقل على القلب من الكلسترول الذي يسد الشرايين ويمنع من تدفق الدم وتدفق الحب بين الناس . لذلك كثرت في هذا الزمن السمين جلطات القلب وجلطات الحب . وبما أننا نعيش عصر السرعة فلا وقت لدينا للوقوف على قارعة الطريق أو قرع الأبواب لننشد عن الحال والأحوال ، ونكتفي فقط بالبرقيات المستعجلة " تلي تحية " , ولا ضير أن تكون باليمين أو بالشمال ، وقد تكون بالرأس أحيانا ، وبالقدم إذا تعذرت كل الأحوال وكانت الأيدي مملوءة والرؤوس مشغولة .. فالوقت من ذهب ، وإذا لم نلحق به ذهب . ولا عجب حينئذ أن يمشي الناس وهم يضربون أخماسا في أسداس . وقد يقطع الواحد منهم إشارة المرور الحمراء ويقف طويلا أمام الإشارة الخضراء ، فلا يصحو إلا على أبواق العجلين من الناس الذين يسابقون الزمن ، لنصبح جميعا تحت رحمة سيف الوقت الذي نريد أن نقطعه فيقطعنا إربا إربا ، ثم نأتي ونضرب خد الندامة حين لا ينفع الندم .
حقا إنها حياة تعيسة حين ينظر الإنسان دوما إلى عقارب الساعة وهي تدور ، ليحسب في لهفة أدق جزئيات الزمن المستمر في عصر أصبحت فيه أجزاء الثانية تعد ذات قيمة . ولقد أتى على الإنسان حين من الدهر كان يسير في حياته وفق أجزاء الزمن الكبرى ، كاليوم والأسبوع والشهر والحول .. ذلك أنه يتحرك مع حركة الشمس وليس مع حركة عقارب الساعة . فماذا تعني " الثانية " لراكب جمل يمشي الهوينا في مفازة يسير فيها ليالي وأياما ؟ لكن مع كل هذا البطء في الحركة إلا أن الزمن كان فيه بركة . لذلك كان الإنسان يشعر فعلا أنه عاش اليوم بأكمله ، فينام قرير العين هانيها في انتظار إشراقة يوم جديد . وحين زادت السرعة أصبحنا لا نحس بطعم الليالي والأيام حتى أن السنة تمر وكأنها شهر ، ونحن نحمل هم اليوم إلى الغد في تراكمية لا تنتهي ، الأمر الذي يجعل الواحد منا رهينا لمحبس كلمة " مشغول " .. هذا الكابوس الذي يقض مضاجعنا فيجعلنا نفقد إحساسنا الإنساني بطعم الحياة ولذة التفكير المطلق في جمال هذا الكون . وفي غمرة الهلع والخوف من المجهول أصبحنا نسير ونحن ننظر إلى مواقع أقدامنا خشية أن نسقط تحت أقدام الآخرين . فالأرض ضاقت بأحلامنا وطموحاتنا .. والمبدأ هو " نفسي .. نفسي " في عالم يؤمن أن الحياة مادة ولا سبيل لتحقيق الأهداف إلا بتحطيم أحلام الآخرين ، لتبقى العواطف وكل الأحاسيس الإنسانية في سلة مهملات هذا العالم ، فأصرمت القلوب عن كل حب ما عدا حب الذات ، وأصبحت المشاعر الإنسانية مقرونة بجدائل المادة ، حتى الأمومة والأبوة والأخوة غدت تقاس بما تعطيه من درهم لا بما تعطيه من فيض العطف والحنان . فهل يبقى بعد ذلك من جمال الحياة شيء ؟
لقد أتى علينا زمان كانت لنا فيه قلوب ودموع . دموع تهل من لوعة الفراق ، ودموع تذرف من حرارة شوق اللقاء ، وقلوب تهتز أوتارها فرحا حين تعانق القلوب . فبأي مزاد بيعت هذه القلوب ؟ وكم تساوي الدنيا حين يصبح القلب " بنك " ؟ . كم من الناس من تقاسموا معنا وتقاسمنا معهم كسرة الخبز المتمرغة بالرماد فلما امتلأت بطوننا وبطونهم أدرنا لهم وأداروا لنا ظهر الجفاء . كم من الناس من كنا نأخذهم ويأخذوننا بالأحضان , وحين أصبحت أيدينا وأيديهم ناعمة صرنا نتصافح بأطراف الأصابع . أي شوق في قبلة تشم منها رائحة البعد ؟ وأية مودة في بسمة تقرأ من خلال ثناياها سطورا من الكره ؟ . لقد تبدلت بنا الأحوال وأصبح الحب تابعا للمصلحة تقوده فينقاد إلى أجل قريب .
والسلام
بواسطة : سديم العطوي
 7  0