×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

الآثار العمرانية مابين الترميم والتدمير
سديم العطوي

" الآثار ثروة وطنية وأداة فخر الدول والشعوب تحفظ صورة الماضي وتشي بحاضر ثابت الأصل ممتد الفروع إلى عنان السماء " هذه الكلمات من مقدمة الدكتور عدنان المزروع لكتاب المؤتمر الأول للآثار والسياحة بالعلا " تحديات وتطلعات " وكان ضمن أهداف المؤتمر ما نصه : استعراض سبل حماية التراث العمراني والثقافي في محافظة العلا .
المحزن هو التناقض ما بين الفكرة على الأوراق وفي المؤتمر وبين تطبيقها على الواقع بالصدفة دخلت أحد المنازل في " الديرة " ـ كما يسميها أهالي العلا ـ
التي يعود تشييدها إلى القرن السابع الميلادي لأرى جدرانها وأرضياتها مزينة بسيراميك وقطع رخام تغطي معالم الإرث التاريخي الذي ورثناه عن القاطنين بها
ولأشم روائح الطلاء الحديث تنزع عبق الماضي من بين أركان تلك المباني !!!
وكأن بتلك المباني المشوهة سيدة بلغ منها الوقار حد الاحتفاء والاحترام وماكان من أبنائها إلا أن ألبسوها ثيابا بخامات و ألوان لا تتناسب مع مظهرها و عمرها فظهرت كمسخ مشوه حتى بلغ النظر مدعاة لاشمئزاز نظرا لمدى التنافر بين رقعها المتباينة .
الغريب أن هذا المسخ الأثري الذي ظهر هو من جهة مؤمنة على هويته وعلى عدم المساس بها كيف انقلب الترميم إلى تشويه بحجة التطوير إن قلعة السوق في محافظة الوجه وغيرها كثير من المباني الأثرية مشوهه تحت رعاية هيئة السياحة والأثار
حينما عزمت وزارة السياحة النهوض بالمرافق السياحية والجذب اليها وتهيئتها بشكل مريح للسائح كون السياحة جزء من السياسة الخارجية للدولة والداخلية ايضا وتمثل الطابور الخامس للاقتصاد الوطني
ألم يأت بخلد القائمين عليها أن حفظ الهوية والقيمة التاريخية أهم من توافر سبل الراحة والأمان في الإرث العمراني مقتدين بتجارب دول تسبقنا بألف سنة ضوئية تحفظ فيها هويتها وقيمتها التاريخية بعد ترميمها فالأهرامات لم تعدل بطلاء وأرضيات رخامية حديثة وأنف أبو الهول الضعيف الذي تحطم لم تعمل له جراحة حديثة لتجميله!؟و تصميمه من جديد
قصر الحمراء روعة العمارة الإسلامية في الأندلس حفظه الأسبان لنا ولم يقيموا عليه حد التطوير ونزع الهوية الإسلامية وقيمته التاريخية الخالدة ولو عدنا إلى المملكة الأردنية وكيفية الاستفادة من بعض القلاع كنزل ومطاعم مع الحفاظ على هويتها وروح التاريخ الأخاذة
الأمثلة كثيرة بعدد المباني الأثرية المهملة والمشوهة .
لكن قبيل الفراغ من المقارنة بين الترميم وحفظ الهوية التاريخية والتطوير ونزع القيمة التاريخية أتساءل لو كانت هذه المشاريع السياحية في اليمن أو الهند ويقوم عليها عامل سعودي كما يحصل في العلا كمثال حاضر العمل به قائم فاليد ـ العاملة ما بين الجنسيتين اليمنية والهندية ـ
هل سيكون للعامل يد في التغيير ؟!!
هل سيرضى وزير السياحة اليمني ما يقوم به المقاول
من طمس المعالم التاريخية من العمران اليمني وهويتهم الأصيلة أو هل يقتنع الوزير الهندي بتغيير أو تطوير تاج محل برخام مستورد بعد نزع القديم أو تعديل سمات احد المعابد القديمة ؟!!
هل يعقل أن يُسلم مشروع ترميم المباني الأثرية لمقاول مختص في إنشاء الوحدات السكنية الحديثة لا يعرف إلا الخزف والسيراميك الحديث وعمالة تتعلم أثناء أداء المهام الموكلة لها ليصبحوا غدا مقاولين تسند لهم كبرى المشاريع !!!
أكاد أجزم أن وزير السياحة سمو الأمير سلطان لو شاهد هذا المسخ وكيفية إخفاء معالم التراث لعاقب القائم عليها عقوبة المُبدل بخلق الله المتلاعب بالجينات الوراثية ليخرج لنا مسخا لايشبه الإنسان و لا الحيوان
إن قلنا ما قلنا مبني على مشاهدات واقعية شوهت الهوية الحقيقية للمنطقة فهذا ما تتحمله فروع هيئة السياحة والآثار المستحدثة في المحافظات المستهدفة في التنشيط السياحي
فأينها مما قامت به الدولة من تسليم مشاريع مد الخطوط الحديدية لسكك القطار لشركات متخصصة وكثيرة هي المشاريع العملاقة المتقنة عبر الشركات المتخصصة التي انجزت وفق المثل القائل : ( أعط الخبز خبازه لو أكل نصه ) المطالبة الوطنية تحتم إدراك المُهمل من الآثار بتسليمها لشركات متخصصة في ترميم المباني الأثرية دون الإضرار وتزييف تاريخها واستحداثه بتاريخ لن يعيه اللاحقون لنا مالم نحفظه لهم بصورة وكتاب يحدد لهم السمات التاريخية ، نوقن أن الآثار تحتاج العناية و الرعاية و الشعور الوطني الصادق و الحيادية في التعامل مع الآثر حسب بيئته وزمنه بما تحكمه جيولوجيا المنطقة و رعايتها حسب مكمنها ليُثبت العمق التاريخي للمنطقة حتى لا يشوه ويحصر ويحتجز بين صالات العرض في المتاحف أو التعتيم و التشويه فهذا يشبه تحنيط الجسد بعد نزع الروح منه
النداء الأخير قبل فوات الأوان فلهيئة الاثار والسياحة حسنات عدة لكن سيئة واحدة تخفي معالم الحسنات السابقة أعيدوا للمكان روح الزمن المنزوعة منه لتحفظ الأجيال إرثها بشكل متواتر كما تُحفظ القيم والمُثل .
بواسطة : سديم العطوي
 9  0