×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عوده الحويطي

فلسفة الموت والحياة في "أرض الرماد"
عوده الحويطي

قبل حوالي خمس وعشرون عاماً أصدر القاص علي عبدالفتاح سعيد أولى المجموعات القصصية في المنطقة ليعلن بذلك بداية ظهور الأدب النثري في تبوك. واليوم ياتي القاص سلطان الحويطي بمجموعته القصصية الثانية الموسومة بـ "أرض الرماد" مثبتاً الوصول لمرحلة النضج الكتابي لأدب القصة القصيرة في المنطقة.

احتوت مجموعة "أرض الرماد" على تسعة قصص قصيرة أراها مثيرة للجدل في دلالاتها ورمزياتها، وقد تميزت بجرأة الطرح في الوقت الذي يلتزم فيه المؤلف الحياد حيث يشير بقلمه لنقطة التأزم دون أن يبدي رأيه فيها.

وإن كانت قصص المجموعة تدور في فلك الحياة والموت والروح والجسد إلا أن لكل قصة منها هدف ومقولة مختلفة تماماً عن البقية، مع وجود المتعة والتشويق وإشعال الفكر لدى القارئ في كل القصص، كما تميز الكاتب بوصف اللحظات الإنسانية المؤثرة المنثورة بين قصص المجموعة بأسلوب أدبي رفيع، هذا بالإضافة إلى التكثيف السردي، وغلبة الجمل الفعلية أكثر من الأسمية مما جعل القصص مشدودة وغير مملة، وبالتالي أدى ذلك إلى أستمتاع القارئ وهو يلتهم المجموعة سريعاً.

المدهش حقاً في المجموعة هو اختلاف حضور وجوه الموت والحياة، والعلاقة بين الروح والجسد، وقدرة المؤلف على تفعيل هذه النقطة في أغلب قصص المجموعة بعمق فلسفي وفكري مختزل إن دل فإنما يدل على قدرة الكاتب وإبداعه في جعل مجموعته تحتوي هذا العمق رغم قصرها.

ولعلنا سنستعرض بعضاً من القصص سريعاً، وأول هذه القصص هي" سبعة دراهم" ثمن الأرنب الأبيض المتضخم الذي يشتريه البطل "اديري" ويأكله لتبدأ قصة الخلود، حيث يعمر "اديري" ولكنه يعاني من تراكم الذاكرة مما يضطره للبحث عنوة عن الموت.
أما في قصة "طلوع الروح" فتحلق روح المتوفى فوق بيوت القرية لترى العزاء الذي أقيم لجسد صاحبها، بينما يحاول اخبارهم بأنه حر طليق بعدما تخلص من الجسد، إلا إنهم لا يستشعرون وجوده مما يضطره للجوء لطرق أخرى لتواصل معهم.

ومرة أخرى نرى الروح في قصة "سكتة قلبية" حيث تكون هي الغزال الهارب الذي تطارده الضباع للتفترسه، ذلك هو المشهد الاخير الذي رآه الشاب المتوفى جسدياً قبل وقوع الحادث له ولصديقية. ذلك المشهد الذي يقتحم عقله الحي الوحيد، في حين يحاول طبيبه اقناعه بأن الموت أجمل.

وأما في القصة المثيرة "الطوفان" فتكون الحياة فيها فتاة تراود بطل القصة عن نفسه والذي يستسلم لها لتقنعه بأن العلاقة الجنسية هي الإنتصار على الموت والأستعداد للحياة.

وكانت دراما الموت وحيوانية البشر حاضرة من خلال قصة الطفلة "خولة" التي حاولت الحفاظ على جثة امها واخويها من الكلاب لتستسلم في النهاية وتستلقي بين جثثهم لتلأكلها معهم الكلاب حية.

أما "أرض الرماد" التي عنون بها المؤلف مجموعته فهي قصة تحكي واقع متناقض لشاب تائه بين الجهاد والحب، وبين الموت والحياة. "أحمد" ذلك الشاب الذاهب للجهاد في الشام والعراق، الذي يقابل في طريقه "العنود" حبيبته القديمة الراقصة في إحدى كازينوهات دمشق. ليعيش حرباً داخلية ضروس بين تناقض طريقين مختلفين، فقد تعود المجيء للشام للرقص والحب واليوم يأتي للجهاد مع عدم الإقتناع التام بحقيقة جهاده. فقط يمضي تائهاً في طريق الموت وروحه تبحث عن الحياة.

وأخيراً، مجموعة "أرض ارماد" ليست مجرد قصص ملقاة بين دفتي كتاب، بل هي قصص تتميز بالنزعة الفلسفية والتساؤلات الوجودية والعمق الفكري بعيد المدى. مما يجعل مؤلف هذه المجموعة يضع له بصمة في الأدب السعودي بشكل عام وليس فقط في منطقة تبوك.
بواسطة : عوده الحويطي
 3  0