×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
فوزي الأحمدي

المناسبات الوطنية بين الواقع والخيال!
فوزي الأحمدي

تعد المناسبات الوطنية التي تحتفل بها معظم الدول في العالم وتجدها تحمل العديد من المسميات على وزن ( يوم , عيد , ذكرى ) , ومنها ما يحمل مضمون ديني , سياسي , تاريخي , جغرافي أو حتى علمي ! في بعض الدول قد يمر هذا النوع من المناسبات مرور الكرام وفي حدود المعقول , خاصة في الدول التي تتسم فيها الأوضاع بالاستقرار والرفاهية , والبعض الآخر من الدول تجدها وقد اعلنت حالة الطواريء في البلاد , من تعطيل للدوائر الحكومية والاحتفالات الصاخبة في الداخل والخارج , ومن اختلاط الحابل في النابل إلى انفاق الأموال الطائلة (عمال على بطال) , الي اطلاق الألعاب النارية (ألعاب الأطفال) ! والتغني بالزعماء الأحياء منهم والأموات ! والبعض الآخر من الدول ما زال يحتفل بذكرى استشهاد هذا الزعيم أو ذاك منذ ما يقرب من أربعة عشر قرنا من الزمان ويصاحب ذلك كله مشاهد مفزعة من اللطم والجرح بالسيوف والسكاكين واراقة الدماء وارتكاب الكبائر ( السادية) ! الحقيقة لا اعرف اذا كانت هناك امة متحضرة , او حتى متخلفة تعيش في ادغال افريقيا أو حتى في غابات الأمازون , ما زالت تحيي ذكرى زعيم لها استشهد قبل قرون ؟! ولا يقل عن ذلك سوءا ما يحصل في تركيا ومنذ ما يقرب من ثمانية عقود , وفي ذكرى وفاة كمال أتاتورك , وفي نفس الساعة التي توفي فيها تتوقف عقارب الزمان في جميع أرجاء البلاد ! حيث تتوقف حركة السيارات على جميع الطرقات والميادين ويترك الجميع اشغالهم ويقفوا لمدة دقيقتين حدادا على الزعيم (أبو الأتراك) , ناهيك عن اجبار كبار رجالات الدولة للحج نحو قبره (زيارته) ! الحقيقة لا أجد اكثر اهدارا لكرامة الانسان من تلك المشاهد (تأليه الزعيم) ! في مشهد من فيلم أمريكي يتحدث عن الحرب الأهليه يواسي فيه القائد ، الجندي الذي فقد عيناه في الحرب قائلا : إن هذا كله في سبيل الوطن ! فيقاطعه الجندي بغضب قائلا : ياهذا لقد قدمت عيناي فداءا للوطن وفي المقابل ماذا قدم لي الوطن ؟! حقا هذا سؤال مشروع في كل زمان ومكان.

في خضم الاحتفالات بالأيام الوطنية غالبا ما يتم تمجيد الوطن والتغني بامجاده وتدبج القصائد والخطب الرنانة والأناشيد الحماسية حبا وهياما بالزعيم المناضل قبل الوطن , والذي قد يكون في بعض الأحيان مدرجا من ضمن قائمة المطلوبين للعدالة الدولية ! والوطن مدرج من ضمن الدول الفاشلة , أو تجده يحتل المراكز المتأخرة في جميع مناحي الحياة على المستوى العالمي ! وفي المقابل يتم تجاهل (الانسان) الذي هو أهم من (الوطن) ! لن يتواني الانسان عن هجرة الوطن ويواجه المخاطر والغرق والموت اذا تنكر هذا الوطن له وتحول إلى ضيعة تحكمه قلة (مختطف) , أو يقتل فيه الانسان على الهوية او الطائفة أو العرق او تداس فيه كرامة الانسان بالبسطار , او تصادر فيه الحريات ويصبح فيه الوطن (برسم البيع) لمن يدفع أكثر , وقتها قل سلام على الأوطان واياك إن تتحدث عن التضحية والفداء والكرامة , لأن الوطن في هذه اللحظة سوف يتحول إلى (بيئة طاردة) وفي حكم الساقط.

الوطن بالنسبة للانسان هو المكان الذي يوفر له الحرية وعزة النفس والعيش الكريم الذي يغنيه عن السؤال . في العديد من الدول المتقدمة تجدها (المؤسسات المدنية) في المناسبات الوطنية (فرصة) لمراجعة الذات والاستفادة من أخطاء الماضي , ومحاسبة المسئول وكشف حساب بالمنجز والتقصير وسبل معالجة ذلك وتقديم كل ما من شانه تقدم ورقي الوطن . أما التغني بالأوطان والبكاء على الأطلال وتمجيد الماضي فلا يأخذ حيزا كبيرا لأنه أصبح جزء من التاريخ (الماضي) , والذي لا يمكن إن يشفع للحاضر قال تعالى : {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ }

وايضا يلاحظ إن البعض عندما يتحدث عن الوطن تجده يختزله في الرقعة الجغرافية التي تحمل اسمه فقط , ولا يعلم بأن للوطن امتداد يتجاوز حدود التاريخ والجغرافيا , وقد يمتد ليشمل الدفاع عن امن الوطن حتى في دول الجوار . خذ على سبيل المثال تجد القوات السعودية تدخل إلى البحرين , وتحارب في اليمن , بل وعلى استعداد إن تذهب إلى ما هو ابعد من ذلك بكثير , الوطن له امتدادات وعمق استراتيجي يجب أن يكون المواطن على وعي تام به , وأن ذلك يصب في النهاية في مصلحة أمنه واستقراره ورفاهيته , ولعل في اليوم الوطني نجدها فرصة لتوصيل ذلك إلى المواطن.

بقلم/ فوزي محمد الأحمدي
بواسطة : فوزي الأحمدي
 4  0