×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

قصّتي مع الكتابة!
شتيوي العطوي

أهلا بكم من جديد، وبعد:
في ليلة من ليالي الشتاء،كنت أجلس وحدي أستمتع بصوت زخات المطر،وصفير الريح، ولمعان البرق،وقعقعت الرعد، فأعادني المشهد إلى سنين خلت،حين كنّا صغارا نتحلّق حول موقد النار في بيت من الشّعر،والأنس يملأ جوانحنا بأحاديث جدتي وهي تروي قصة "بني هلال".فوجدت في نفسي الرغبة في توثيق تلك اللحظة الشعورية، فعمدت إلى دفتر بقي من دفاتري في الثانوية،وشرعت في كتابة نص يجسّد تلك اللحظة وذلك الشعور،فكان أول نصّ أكتبه خارج مادة التعبير المدرسي.

وفي الصباح،قدّمت تلك الورقات إلى زميلي الأستاذ " آدم يوسف "،ذلك السوداني الذي كان يبحث عن الجمال في جحر ضب! وهو ذات الشخص الذي كان يتأبط المذياع في قصة ذكرتها هنا في مقال سابق" بق بن "
كان "آدم "أديبا يعشق اللغة،وكان يطربني بصوت القصيد،فلبس النظارة،وأخذ يقرأ، وكنت أجلس بجواره أنظر إلى تعابير وجهه،ومع نهاية النص انفجر ضاحكا وقال لي: ما هذا؟!ووضع النص في جيبه،فشعرت بالخجل وقمت من عنده أجر أذيال الخيبة، لكني فوجئت به في اليوم التالي يقدّم نقدا أدبيا لذلك النص،ففرحت جدا بقراءته النقديّة وتصحيحاته اللغوية وقال لي: أكتب!

كان "أدم يوسف" يعني لي الكثير،لغة وأدبا،وكنت قد ذكرت في مقال سابق،بأن عشقي للغة والأدب يرجع الفضل فيه بعد الله تعالى إلى أستاذي " يوسف الجفال " وحين أذكره هنا فلا بد من تسجيل هذا الموقف الذي ينم عن وفاء الرجل،حيث قابلته ذات يوم في مسجد الملك فهد،وبعد حديث طويل،أخبرني بأنه يشدّ الرّحال للعودة إلى وطنه " فلسطين " فقال : سأعود إلى بلدي،سأعود وأنا أشعر بالغربة،وكأنه كتب عليّ أن أعيش الغربة حتى في بلدي!فما عدت أعرف أحدا هناك فالأصحاب والأقران والمعارف الذين عاصرتهم أيام طفولتي وشبابي، إما ماتوا، وإما قتلوا، وإما هاجروا. أنا وطني هنا بين أحبابي وجيراني وطلاّبي،تلك العشرة الطيبة التي امتدت سنين عديدة.وكان يتحدث بحرقة،فختم حديثه بدموع لوعة الفراق،فقبلت رأسه،وودعته،وغادر بكل هيبته وأدبه، وقد أخبرني أحد الأخوة هنا،بأنه توفي في القدس قبل عدة سنوات، يرحمه الله رحمة واسعة، ويسكنه فسيح جناته.

كان أدم يوسف الذي رحل أيضا - بمذياعه إلى السودان، الشرارة التي أشعلت في نفسي حب الكتابة،لكني كنت أتوجس خيفة.وفي إحدى الليالي،وجدت في نفسي الشجاعة لكتابة مقال،وكانت شجاعة طاغية بحيث أكتب في هذه السّن المبكرة إلى جريدة العرب الدولية " الشرق الأوسط "،فكان المقال الأول،وقد يكون الأخير،لولا أني فوجئت برسالة عبر البريد موجهة لي من مكتب الجريدة في لندن وبتوقيع نائب رئيس التحرير " محمد التونسي " في تلك الفترة،يدعوني فيها لمواصلة الكتابة،وكانت تلك الرسالة تمثل لشخص مثلي شيئا كبيرا،فأتبعت ذلك المقال بمقالات عدة وكان من بينها تعقيبات على كبار الكتاب.وكنت سعيدا حين كانت الصحيفة تدعم مقالاتي وتعقيباتي بالصور،كان ذلك في عام 1986م قبل عصر الانترنت.ثم بعد ذلك تحولت للكتابة في صحيفة " عكاظ " وكان للدكتور " علي الصميلي " الفضل بعد الله تعالى في توجيهي، وقد اتصل بي عدة مرّات، ثم توقفت عن الكتابة إلى أن صدرت جريدة " الوطن "، فكتبت رسالة دعابيّة ساخرة إلى الأستاذ الدكتور سعيد فالح الغامدي،صاحب زاوية " نصف الحقيقة " وفوجئت به وقد بعث إليّ رسالة بالفاكس،يطلب الإذن مني في نشر الرسالة، لأن الرسالة في نظره تصلح أن تكون مقالا، فتأخرت بالرد عليه، فقام بنشرها في زاويته كاملة،وقد كادت تلك الرسالة أن توقعني في حرج، ومن تواضعه أنه تنازل لي عن زاويته خمس مرات،وقد طلب من الجريدة في مقال له التوصية بي، فتابعت الكتابة في صفحة " نقاشات " وفي الصحيفة تعرفت على العديد من الكتاب وكان بيني وبين البعض منهم مراسلات وتعقيبات، وكان من بينهم الأستاذ الكاتب الساخر " جعفر عباس " الذي تربطني به علاقة حميمة، وقد طلبت منه ذات يوم أن يبعث لي مجموعة مقالاته ( الزاوية المنفرجة ) فأخبرني بأنه في طريقه إلى "دبي "لطباعتها، فكتبت عنه في اليوم التالي مقالا ساخرا في "الوطن"، ودعوت عليه مازحا أن يكون فقره في رأس قلمه.ذلك أني خشيت أن يذوق حفيد "عنترة بن شداد" طعم الفلوس، فنفقد نحن الغلابا طعم قلمه، فردّ عليّ معاتبا ساخرا كعادته.

كانت الوطن تمثل لي نقلة نوعية في مفهوم الكتابة،وحين سقطت بغداد، كتبت مقالا في الوطن بعنوان " لست وحدك من كان يكذب يا معالي الوزير " وكان ردا على وزير الإعلام العراقي "محمد الصحاف" وكان ذلك المقال هو الأخير ،حيث كشف الغطاء عن كل ما يعيشه العالم العربي من وهم وتضليل،وأن بغداد لن تكون الأولى والأخيرة في سلسلة السقوط العربي،فشعرت بغصة رغم كرهي لنظام صدام حسين،لكن قاتل الله الظلم والخيانة التي تجعل الشعب يستقبل المحتل لأرضه بالورود،لذلك تركت الكتابة وقراءة الصحف، إلى أن جاءت اللحظة بعد سنوات من الانقطاع،وكنت على موعد مع " صدى تبوك " ذكرت ذلك في مقال سابق لا داعي لإعادته.

وبينما كنت أكتب هنا اتصل بي الأستاذ "عبدالقادر عيّاد" حين استلم إدارة التحرير في جريدة "الوطن" يدعوني فيها للمشاركة في الكتابة، وقد عرض عليّ مشكورا- زاوية في الصحيفة، لكني اعتذرت له وشكرته على لفتته الكريمة.ومن الذين تشرّفت بتغريداتهم حول ما أكتبه الدكتور طارق العرادي، والكاتب الأديب عبدالرحمن العكيمي.

كانت تلك لمحة من قصتي مع الكتابة مختصرة،وقد أخفيت البعض منها، لأن الهدف منها ليس لفرد العضلات، وما كنت لأكتبها لولا حديث دار في نفسي من أحاديث المساء.
والسلام
بواسطة : شتيوي العطوي
 8  0