×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي

الشرق الأوسط ومآسي وعد بلفور
عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي

عندما رحل بلفور كان يدرك بأنه قد سطر ببعض الكلمات الأنيقة التي لايتجاوز عددها (١٣٠) كلمة رسالة تعتبر من أهم رسائل الغدر في التاريخ واكثرها دموية وظلما ، وقد كانت رسالة بلفور المشئومة تتويجا لسنوات عديدة من الإتصالات بين الساسة البريطانيين وزعماء الحركة الصهيونية ، كان أشهرها مؤتمر لندن عام ( ١٩٠٧) م حيث دعى رئيس وزراء بريطانيا في ذلك الحين ( كامبل يانومان ) سبعة دول أوروبية ماعدا المانيا لهذا المؤتمر وخاطبهم قائلا : " نحن في مرحلة انحدار فعلية وبيننا خلافات وتنافس حاد فهل تريدون البقاء على القمة أو تريدون السقوط " فأجابه الجميع بل البقاء في القمة .
‎وفي تلك اللحظة وزعت خرائط الوطن العربي على الوفود وبعد التأكد من استلام كافة الوفود تلك الخرائط ، فإذا به يخاطبهم قائلا : " هذه المنطقة من الخليج إلى المحيط هي سر قوتنا وسر ضعفنا ، هذه المنطقة الآن ضعيفة ومهملة ، جاهلة متشرذمة ، يتقاتلون على قطرة الماء ، لكنهم يملكون كل مقومات النهضة ، يملكون مالا نملك ، جميعهم يتبعون دين واحد إلا بعض الأقليات ، ويتحدثون لغة واحدة في هذا المسرح الشاسع ، بينما نحن في أوروبا نتبع عشرات المذاهب ، هذه المنطقة تشرف على أوروبا ، وعلى أفريقيا وعلى آسيا ، هذه المنطقة تحتوي على ( الرومايتريل ) من المواد الخام التي يحتاجها الغرب ، هذه المنطقة تستطيع أن تخنق العالم كله من خلال مضيق هرمز وباب المندب ، وقناة السويس ، ومضيق جبل طارق ، هذه المنطقة بحاجة إلى قيادة صالحة لتنهض ، وإذا حصلوا على تلك القيادة فإنهم سينهضون ، ولمنع حصول هذه النهضة فإنه يجب علينا نحن المجتمعين الآن إيجاد جسم غريب وزعه في هذه المنطقة ، على أن يكون ولاء هذا الجسم للغرب بإستمرار وأن يقوم بفصل المشرق العربي عن المغرب العربي ، ويجعل المنطقة في حالة عدم توازن واستقرار ، وحيث أن مؤتمرنا هذا يهدف إلى منع نهوض هذه الأمة فلابد من تطبيق هذه الخطة ، وإيجاد الجسم الغريب وفق الآهداف المعلنة .
‎لهذا تلقف اليهود هذه المطالب ودرسوها ، وذهب منهم وفد برئاسة ( حاييم وايزمان ) وتفاوضوا مع بريطانيا والدول المشاركة في مؤتمر لندن ليكونوا الجسم الغريب المراد زرعه في الوطن العربي ، حيث تعهد اليهود بالولاء للغرب والقيام بتعطيل نهضة الوطن العربي وخلق حالة عدم استقرار ، وتعهدت بريطانيا وبقية دول المؤتمر بحمايتهم ، وبناء على تلك المقررات صدر وعد بلفور المشئوم ، وبينما كانت الدول الأوروبية تخطط لما سيجري في هذه المنطقة ، فإن العرب لم يقرأوا هذه المقررات ولم يعرفوا عنها شيئا حتى تم تسليم فلسطين لشراذم يهودية جلبت جلبا لإيجاد كيان ، دولة اسرائيل عام ( ١٩٤٨) م
‎فأخذ العرب يحصون خسارتهم الأليمة ويراجعون تاريخهم ويستعرضون الخدع التي قسمتهم إلى دويلات بدلا من الدوله العربية الكبرى الموعودة ، وقد نتج عن هذه النكبة اهتزاز كيانات سياسية ، وحدثت انقلابات لإيجاد أنظمة تواجه التحدي الكبير ، ولكن الغرب كان حاضرا بكل قوة ، فحولها إلى دكتاتوريات لاهية في التسابق الى السلطة ، والإستئثار بها وتحويلها إلى مزارع للأصدقاء والأقرباء ومنع أهل الرأى ا لمخلصين من القيام بدورهم لمواجهة المستقبل المظلم ، وسادت شعارات الوحدة والتضامن العربي ، لتكيد من ورائه كل دولة لشقيقاتها ، وتعمل على عرقلة تطورها واضعاف قوتها ، مندفعين وراء حلم الزعامة الفارغة على عالم عربي مهدد بالضياع خلال مائة عام .
‎ومن المؤسف حقا أن نرى ( تريزا ماي ) رئيسة وزراء بريطانيا تفاخر بالذكرى المئوية لوعد مواطنها بلفور ، بالرغم مما جلبه هذا الوعد من ويلات ومصائب للأمة العربية معتبرة أن دولة اسرائيل ( ديموقراطية مزدهرة ) ومنارة للإعتدال ، ولم تراعي مشاعر أمة يتجاوز تعدادها ٤٠٠) مليون ، وهذا دليل قاطع على أن أهداف مؤتمر لندن ووعد بلفور لازالت قائمة بدعم من الهيمنة الأمريكية والمهادنةالروسية، وأن طوفان تدمير الكيانات العربية على أشده والصراع والإنقسامات تتصاعد حدتها ، فمتى تكون النهضة العربية التي كانت تخشاها أوروبا قبل (١٠٠) عام ، ومن يرفع راية الصحوة لتجاوز هذه المرحلة الخطيرة، لم يتبقى من الحصون المتينه إلا المملكة العربية السعودية وهي الوحيدة التي لديها القدرة على جمع الشتات العربي ، وتفعيل التضامن الإسلامي باتباع دبلوماسية واعية ، قوية ، وهادفة لمنع المد التدميري في المنطقة ، والاستعداد الجدي المدروس الذي يشمل جميع القوى لخوض معركة النجاة ، التي تجتمع غيومها في الافق فوق سماء هذه المنطقة الخطيرة والحاسمة ، التي كانت ومازالت موضع تنازع الدول ، لما لا وقد أصبح الإرهاب من يوميات الغرب ، والإسلام شاغل العصر .


‎عضو مجلس المنطقة
‎اللواء المتقاعد
‎عبدالله بن كريم

بواسطة : عبدالله بن كريم بن عطيه العطوي
 0  0