×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
نواف شليويح العنزي

السعادة بين الحقيقة والوهم
نواف شليويح العنزي

كل مخلوق حي يأمل في الوصول إلى السعادة حتى الحيوانات تبحث عنها ولو بمحاولة إشباع غرائزها الفطرية والاستمرار على قيد الحياة ، والإنسان المكرم بعقله سبقها وبمراحل في محاولة الوصول إلى السعادة ، ومفهومها الجميل لعله يظفر بها أو بجزء منها فيشعر بطعمها المنتفي وجوده عند الأشقياء والتعساء والبؤساء والمحرومين ، ورحلة التحري عن السعادة محطة هامة ينطلق عندها الفرد مسخرا كل مايملك من أجل الوصول لها بل والاستعانة بكافة السبل المساعدة له في الوصول لها حتى وإن كان ذلك غير مشروع عند البعض ، و من ثم التمسك الأبدي بها وبعرى أوصالها لعلها تدوم أمام ناظريه ، وحول جوارحه ومن هنا وحسب إطاره الفكري والمجتمعي يبدأ ميلاده الجديد بعد أن تنكر لميلاده الأول في المكان والزمان وبين حنان الأمومة وعطف الأبوة عندما كان في المهد صبيا وبين الأقران والأصحاب و أيام نشوء الضعف البشري وبراءة الطفولة ، وبعد رحلة طويلة ومضنية قد يصل لمفهوم السعادة الكامن بين أفكاره وفي طيات مرجعياته الثقافية فقد يكون نجاح في الدراسة ومن ثم تبوء منصب وظيفي وتحقيق الوجاهة الاجتماعية ، وقد يكون الحصول على الأموال وتكديسها طريقا له للوصول إلى السعادة من مفهومه ووفق ما يؤمن به من معتقدات وأيدلوجيات مكتسبة ، وقد تكون السعادة لدى الكثير هي في تكوين الأسر الصالحة والسمعة الطيبة في المجتمع وقد تكون في الالتزام الديني والتمسك بتعاليم الشريعة السمحة ، والبعد عن التطرف والغلو ، وأدب الحطيئة يراها في هذا من خلال قصيدته المؤثرة
ولست أرى السعادة جمع مال
ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخرا
وعند الله للأتقى مزيد
و يمكن الوصول لها في نظر بعض الناس بالبعد عن الشرور والآثام وإسعاد الآخرين وقضاء حوائجهم ، والنقيض عند البعض فقد يكون مفهومها التلذذ العميق بتدمير الآخرين و إبعادهم عن الخير ومحاولة إسباغ الحزن عليهم ، وفعلتهم تلك بسبب ما يحملونه من قلوب مريضة وغيرة من الناجحين ، وشعورهم بالدونية الدائمة وتأكيد لفشلهم الذريع وانتكاستهم المعنوية ، وقد تكون السعادة من هذا وذاك وشيء من رغاباته الأخرى، وما يعلم عنها إلا القليل ، والسعادة بمفهومها الشامل لا تدوم لأي مخلوق وإن علا ، فتلك سنة كونية سنها فاطر السموات والأرض فكم من رؤساء دول شنقوا وتم إعدامهم بأيدي شعوبهم ومن ثم سحلوا في الشوارع ومزقوا تاريخهم ، و قبل هذا كانوا يظنون أن المنصب هو السعادة ولكن خاب ظنهم بما وقع لهم ، وكثير من أصحاب الأموال حرموا أنفسهم التمتع المشروع بها لتحقيق سعادتهم بجمعها وكنزها ووقفوا لها وعند أرصدتها خادمين حتى قربت ساعة رحيلهم وعندها اتضح سوء معتقدهم وأنهم وصلوا لسراب السعادة وليس لحقيقتها ، وكم من مسؤول حسب السعادة بمنصبه وتودد المحتاجين له ، و إذلال الضعفاء وحديث المجتمع عنه ، ولم يدرك الواهم أنه وصل لنهايته وسوء سمعته بكامل إرادته وبسوء ما عمل فانقلبت أفراحه إلى أتراح ، كماغاب عن أذهان كثير ممن يرجون السعادة أن الدنيا ومن عليها إلى زوال وفناء دائم ، وأن الأيام يداولها خالق البشر بينهم ، و إن طاعة الله ورضا الوالدين والقناعة وحب الناس وخدمتهم وإسعادهم من محاور السعادة الحقيقية التي يجهلها وينكرها أصحاب السعادة الزائفة ، جعلنا الله و أحبتنا من السعداء في الدارين .
بواسطة : نواف شليويح العنزي
 1  0