×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالله بن كريم العطوي

الحِيل!
عبدالله بن كريم العطوي

( الحِيل! )

من المعلوم ان الحِيلة كانت ثمرة العقل ومستخرجة بقوانينه وطرقة في استخراجها غوامض العلوم ومحاسن الفنون المختلفة الأصول والمنافع أوجب أن تكون للانسان دون غيره من المخلوقات.

والحِيلة من فوائد الآراء المحكمة وهي حسنة مالم يستبح بها محظور ولعله من الأهمية بمكان ان نستجلي الآن التباساً مهماً ينبع من عدم الاتفاق على تحديد المقصود من تعبير ( الحِيلة ) لأن استعمال هذا التعبير أثار ويثير سوء فهم كبير في الغرب كما في البلاد العربية وهذا يحدث عند استخدام ترجمة غير دقيقة لكلمة عربية أو عند تبدل استعمال الكلمة بين منطقة وأخرى وعصر وعصراً آخر وكلمة حيلة لا تعني كما يتبادر إلى الذهن انها امتهان طرق الكذب والنفاق لخداع شخص ما بل هي العكس من ذلك كلمة في معناها الأصلي تدل على وسيلة لتوفير الجهد والمشاق على الانسان وهذا يرتكز على قواعد علمية تكون في متناول مخترع حاذق وعالم عامل.

وإذا كانت الحيلة طريقاً أو وسيلة أستعملها العقل فمن دون شك انه ينبغي للعاقل أن يعرف طرق الحيلة وكيف يستعملها ويعلم من أين دخلت عليه حيلة من الحيل وكيف الخروج؛ وقد علم الله سبحانه وتعالى أيوب ليبر بيمينه ( وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث )، وهذا يدل على ان الحيلة مباحة وذكر القرأن طرف من استخدام الحيلة في قصة يوسف مع أخوته عندما وضع صواع الملك في رحل أخيه وختم الله هذا المشهد بقوله ( كذلك كدنا ليوسف ) كما أستفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من حيل ( نعيم بن مسعود ) في غزوة الأحزاب حيث أفشل الله بتدبيره مسعى قريش وغطفان واليهود وتمت هزيمتهم في غزوة الأحزاب بحيلته ودهاءه.

وأصحاب الحيلة عندما يقدمون الرأي على شجاعة الشجعان كما يقول الشاعر العربي فمن الطبيعي أن ينظروا بازدراء إلى الخشونة التي تظهر عند بعد بعض حملة السلاح ممن يستلون سيوفهم بمناسبة وبدون مناسبة.

وكان الخليفة المعتضد يثور على الولاة عندما يستخدمون العنف لاستجواب بعض المتهمين صارخاً فيهم ( أين حيل الرجال ) والرأي الداعي إلى تجنب إهراق الدماء عن طريق استخدام الحيلة يقوم على رؤية إن إهراق الدماء من أسهل الأمور ولا ينتج عنه أعجاباً ولا يدل على علو مكانه، وعدا ذلك فهو حتماً يكون مجدياً ونافعاً؛ بينما الحيلة تثير الإعجاب لأنها تحتاج إلى مهارة خاصة كما في بعض الفنون. والحيلة لطرافتها تدخل البهجة والسرور على قلوب الناس، وبذلك تشترك في صفة أخرى مع الفنون وفوق ذلك كله فالحيلة مضمونة الربح.

والحيلة في السياسة لا يجب النظر إليها على إنها لعبة ذهنية مجردة ، بل هي عمل حاذق دقيق مرهف وفاعل. فالسياسي النموذجي هو ماهر مخادع حسب وجهة نظر ( ميكافلي ) وكان الأسكندر المثل الأبرز الذي كانت جعبته مليئة بأفانين المكر والخديعة والحيلة المبتكرة ٠وقد قال عمر بن الخطاب لبعض جلسائه تذكرون كسرى،وقيصر ودهاءهما وعندكم معاوية٠

وكتب معاوية إلى مروان عندما قتل عثمان: اذا قرأت كتابي هذا فكن كالفهد لا يصطاد إلا غيلة، ولا يباعد إلا عن حيلة، وكالثعلب لا يغلب إلا روغاناً، واخف نفسك عنهم كما يخفي الغراب سناده، والقنفذ رأسه عند لمس الأكف، وأمنهم نفسك أمان من يئس القوم نصره، وابحث عن أخبارهم بحث الدجاجة.

وقال أرسطو طاليس للإسكندر ( أيها الملك لا تلق حرباً بنفسك مهما قدرت وأن ضعف عدوك وأستعمل الحيل والمكائد فإن فتوحها أسلم الفتوح وأهنأها). وقال ملك الترك: الملوك لابد أن تدير الملك وتصير لهم مزية في حيل الرامي في الحوادث التي تطرقهم ليست لغيرهم لأن أفكارهم صافية من الاهتمام بما يهتم به غيرهم من المعاش، وكان عظماء الترك يقولون ( ينبغي أن يكون للقائد بعض أخلاق البهائم، شجاعة الديك، وجرأة الأسد، وحراسة الكركي، وحذر الغراب، وغارة الذئب، وروغان الثعلب، وصبر الجمل.

وقال بعضهم كن بحيلتك أوثق منك بشدتك وبحذرك أفرج منك بنجدتك فإن الحرب خدعة والحرب للمتهور حرب وغيمة للمعتذر، وقيل المكر أبلغ من النجدة. وقال آخر الحاجة تفتح أبواب الحيل، وليس العاقل الذي يحتال الأمور بعد وقوعها بل العاقل الذي يحتال للأمور قبل أن يقع فيها. وقيل لعنتر أنت أشجع الناس وأشدهم قال لا قيل فلماذا شاع لك هذا قال اقدم اذا رأيت الاقدام عزماً واحجم اذا رأيت الاحجام عزماً واعتمد الضعيف الجبان فاضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشجاع فأتي عليه وأقتله ٠وقد قال الحكماء من أيقظ نفسه وألبسها لباس التحفظ أيس عدوه من كيده وقطع عنه أطماع الماكرين. وقالوا اليقظة حارس لا ينام وحافظ لا ينسام، وحاكم لا يرتشي، فمن تدرع بها أمن من الأخلال والغدر والجور والكيد والمكر.

وهكذانجد ان التاريخ ميدان فسيح لكشف مكونات الدهاء السياسي والحيل الغربية وكيفية ادارتهم لجملة من الاحداث المهمة في العالم العربي التي ماتزال غير مفهومة بشكل كاف في كيفية معرفتهم لطريقة تفكير ساسة دول العالم العربي وردات أفعالهم بل واستدراجهم لتحقيق.اهدافهم الكبرى ولو تحقق لهم ممارسة الحيل عملياً كان بأمكانهم وضع أقدامهم على الطريق الصحيح للنجاة من حيل الغرب وخداعه ٠ وقد قيل رأس لاحيلة فيه قرعة خير منه.

عضو مجلس المنطقة
لواء.م/ عبدالله بن كريم بن عطية
بواسطة : عبدالله بن كريم العطوي
 3  0