×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبد الله الريح

التراكمات، الأرض الجديدة إكهارت تول
عبد الله الريح

التراكمات، الأرض الجديدة إكهارت تول
مازلت أذكر ذلك اليوم الذي أخبرني فيه مديري أنني شخصيةً أنفعاليةٌٌ، بسبب النقاش الذي دار بيني وبينه، ومازلت أذكر أيضًا مدى الألم الذي عصف واجتاح قلبي تلك اللحظة، وكيف أنني لم أنم لأول مرة بعد خروجي من العمل. كأن شخصًا صفعني على وجهي لقد كان الألم أكثر بكثير من تلك الكلمة .
أنني أعترف بأن ردة فعلي المبالغ فيه كانت أكبر بكثير من الكلمة نفسها، وتلك الملاحظة للأسف أكتشفتها متأخرًا خصوصًا بعد أن بدأت رحلة شخصية مع الذات.
فوجدتُ أن لكل إنسان ردود فعل قد لا تتناسب مع الحدث، وعندما أسأل أي شخص لماذا كانت ردة فعله المبالغ فيه أكبر من الحدث نفسه تكون الأجابة " ردة الفعل هذي هي نتيجة تراكمات سابقة" ويأتي هذا الحدث البسيط ليكون القشة التي قسمت ظهر البعير كما يقولون .
لكن ماذا تعني كلمة تراكمات؟ وأين تختفي تلك التراكمات في الأنسان؟ ومالذي يجعلها تنفجر لحدثٍ دون غيرها؟! ومالذي يجب أن نفعله لتجنب تلك الردود المبالغ فيها ؟!
يقول الكاتب إكهارت تول في كتابه الأرض الجديدة، أننا جميعاً نولَد، وقد ورثنا جزءاً من الآلام الذي عاشها آباؤنا، مجتمعنا، وحتى العرق أو الجنس الذي ننتمي إليه بسبب الندم أو الإحساس بالظلم أو الشعور بالذنب؛ وبعد وراثته يظل كامناً فينا، ولكنه مُحفز طوال الوقت للظهور في فترات متفاوتة حسب المؤثرات المحيطة التي يتغذى عليها لكي يستمر في البقاء والنمو، وليصبح فيما بعد قادراً على الانتقال إلى الآخرين، كالأبناء أو المحيطين بنا.. وهكذا. الأكثر ألماً في منظومة الأسى السابقة، ذلك الجزء الذي نرثه، بلا أدنى ذنب لنا، وبطبيعة الحال، ما نورثه للآخرين بلا ذنب لهم!
كل ما يستطيعه الإنسان فعله أمام تلك التراكمات هو أن يتوقف عن تغذيتها بأفكار وعواطف سلبية جديدة تضخمها، فتقلب حياته وحياة من حوله إلى تعاسة؛ طبعاً! كتابة هذه الجملة السابقة كان بغاية السهولة، بينما تطبيقها، هو أصعب ما يواجهه الإنسان في حياته، إن التراكمات سريعاً ما تجد غذاؤها من التجارب المؤلمة التي يمر بها الإنسان منذ طفولته، وعدم الوعي في هذه المرحلة من العمر، بسبب ضعف آليات الدفاع يزيد من شراهة الكتلة، وهنا تبدو أهمية أن يكون الطفل محاطاً بأشخاص قادرين على تقوية آليات دفاعه، للتخلص سريعاً من تأثيرات التجارب المؤلمة؛ وهو ما لا يتوافر عادة.
وعندما نكبر، تكبر معنا التراكمات ، التي تجد في الطبيعة الإنسانية النازعة دوماً إلى تأبيد الذكريات والمكوث طويلًا في الماضي، مجالًا حيوياً للبقاء، وكل تجربة مؤلمة تمر علينا تشكل غذاء مناسباً لها، ومع هذه العوامل تزداد قابلية بعضنا لتأويل أي فعل أو قول يصدر من أحدهم إلى أمر سلبي، ويصبح التفكير قاتماً بدرجة عميقة، وهي مرحلة يجب أن نعيها جيداً، قبل أن نغرق في التعاسة وأمراضها، كما يجب أن نتجنب من يصلونها لأن قابلية العدوى منها عالية جداً.
إن وعينا بكل ما سبق، وتفهم أسبابه، كفيل بأن يجعلنا نراقب أرواحنا باستمرار، لنتجاهل كل الماضي بذكرياته المؤلمة، ونواجه التجارب الراهنة بحزم قبل توديعها تماماً، ونتجنب الطاقات السلبية المحيطة بنا، حتى لا تصبح أرواحنا مستباحة لخفافيش الهم والحزن، وحتى لا نُورثها إلى أرواح أخرى بريئة لا ذنب لها.
بواسطة : عبد الله الريح
 2  0