×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سالم صعيكر البلوي

مع الغزالي في إحيائه
سالم صعيكر البلوي

مع الغزالي في إحيائه

حجة الإسلام أبو حامد الغزالي أبرز من أنجبته الحضارةُ الإسلامية على مدى تاريخها، ولد الإمام الغزالي في طوس عام ٤٥٠هـ وتوفي بطوس أيضًا عام ٥٠٥هـ فهو إذن لم يُجاوز الخامسة والخمسين من العمر ومع ذلك فقد أُعطي حياةً عريضةً على حدِّ تعبير ابن سينا، وليس يومًا واحدًا مكررًا كما هو حال الكثير من الناس بالغًا ما بلغ بهم العمرُ، تعددت المعارفُ التي اكتسبها الغزالي فمن العلوم الشرعية إلى المنطق إلى الفلسفة، إلى التصوف وعلم الكلام وأصول الفقه، مرت حياة الغزالي بمراحل ومحطات مهمة كانت كل مرحلة منها تتسم بصفات معينة فمن الطلب إلى اشتداد العود، ثم التصدر في المدرسة النظامية في بغداد، والرحلة إلى الحج، وبعدها كان الذهاب إلى الشام والذي كان منعطفًا حرجًا في شخصية الغزالي وفيها كان إنكار الذات والغوص في علم الباطن، والانكباب على محاسبة النفس والذي تولّد عن فهم كبير لجوهر الدين بعيدًا عن الطقوس الشعائرية التي تصطبغ بها العامة بدون أن تتمثل تعاملاً حيًا يُكيف العبدُ به نفسه ليكون مثالاً حيًا متعالياً على قيم المادية التي ثبّطت الروح، وانكفأ المسلم فيها على اهتمامات سطحية لا تعرج بالروح إلى ملكوت الله وتقعد بالمسلم عن علم المكاشفة الذي هو نهاية تشوق أئمة الدين عبر تاريخ الإسلام الممتد تفرّد الغزالي بنبوغٍ بزّ أقرانه حتى قال شيُخه الجويني بعد تصنيف أبي حامد للمنخول: " دفنتني وأنا حيٌّ هلاّ صبرتَ حتى أموت". وهذا إنما هو دليل على ثبات قدم الغزالي وتبحره في شتّى الفنون، فلا غرو أن يقول عنه شيخُه هذا الكلام، ألّف الغزالي كثيرًا من التصانيف التي طارت بها الركبان، ولكن كان لكتابه إحياء علوم الدين الدويّ الهائل، وهو كما قال المتنبي:
وتركُك في الدنيا دويّاً كأنما
تداولَ سمعَ المرء أنملُه العشرُ،
فلقد تداول الإحياء سمع الدنيا وبصرها، وكان له بالغ الأثر في المجتمعات الإسلامية، يتألف الإحياء من أربعة أرباع: ربع العبادات وربع العادات وربع المنجيات وربع المهلكات، وفي كل ربع عدة كتب، وفي هذه الكتب من دقائق ولطائف الأسرار، ما يُهذِّب النفس ويستدعي الفهم العميق للدين بطرق غير تقليدية فيها من مصطلحات التصوف المعتدل الذي كان عليه السلف، فالغزالي عندما يعرض ما يسميه علم المكاشفة والذي هو الغاية في الوصول إلى الله وفهم الذات الإلهية، ثم محاولة فهم الحكمة من وراء العبادات التي لا يستطيع العقل المحدود اكتناه سرِّها
ففي الإحياء من هذه النُكت واللطائف الكثير الذي فيه بُغية الطالب، في قواعد العقائد يتصدى الغزالي والذي هو شافعي المذهب إلى طريقة أهل الكلام في عرض حجاجهم وهل يكفي العامي التلقين للعقائد وكيفية التعويل على حفظ الصغار ثم الفهم ثم اليقين والتصديق، أما إثارة الجدل لترسيخ المبادئ العَقَدية بطريقة العرض والجوهر والمقدمات والنتائج فإنها تؤدي إلى الخلخة وعدم الثبات في اليقينيات والقطعيات التي تأتي على مهل، ولا أدل على ذلك من آيات الكون حول العامي فهي مما يُثير الذهن وتطمئن به النفس فهي من أدلة العناية، لو أردت الإطناب في ذكر فوائد الإحياء لطال بي المُقام ولكن يكفي من العِقد جوهرة.

بواسطة : سالم صعيكر البلوي
 1  0