×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

ليالي دمج (9)
شتيوي العطوي

ليالي دمج (9)
أهلا بكم من جديد؛ وبعد:
هناك، وفي تلعة تحتضن بيت شعر- كان يغط في نوم عميق وهو يضع رأسه على وسادة محشوّة بخليط من شعر وصوف تنبعث منها رائحة العبس؛ فيرى في المنام أنه يجلس ويسند ظهره إلى جدار قصر أبيض وأمامه روض أخضر!
كان حلما طفوليا لا يستدعي عناء التفسير، فأحلام الصغار لا يهتم لها الكبار.*
لم يدرك أن تلك الرؤيا كانت إحدى رسائل المدينة ، وقد تسللت إليه ليلا من تحت ذيل الرّواق، وأن ذلك منزله بعد حين- في حي من أحياء المدينة التي أصبحت حكايات المجالس وحداء الرعاة في المفالي.*
هناك من كان يحلم بخبز المدينة فيقول له أبوه ممنيا: بكره - وأنا أبوك - تشبع من خبز المدينة! قالها وهو يشد رحله إلى المدينة التي لا يأتيها إلا لكيل الميرة وشراء الكسوة.
وفي ذلك الزمن كانت المدينة تبعث برسائلها إلى من حولها من العربان، فتصحو المدينة على حطيط هنا وحطيط هناك.*
وبين تلك الجدر الصماء تتشابه الصباحات على وجوهنا ونحن نرتشف ونمص حثالة الشاي الممزوج بحليب البقر المجفف، والكيل بملعقة بحجم ملعقة الدواء.
لقد آن لأحلامنا أن تزدحم بين تلك الجدر التي ما زالت تحتفظ بأمتعتنا القديمة المعطرة بروائح الشيح والقيصوم والبعيثران. تلك الأمتعة التي ستذهب بها الريح يوما ما إلى مزبلة المدينة. فما كان للمدينة أن تتركنا على ما نحن عليه، فللمدينة نظامها ولغتها الخاصة التي تجعلك تنسى لهجة أمك وأبيك.*
لقد لحستنا المدينة بلسانها فغيّرت معالمنا، ورحل إلى رحمة الله - الذين كانوا يذكّروننا، أولئك الذين حاولوا جاهدين أن يبقوا على سيرتهم الأولى.
آه.. لقد كبرنا وكبرت المدينة، وتاهت أقدامنا بين شوارعها، وشبعنا من خبزها، وتمتّعنا بقصورها البيض ورياضها الخضر. منحتنا الكثير وسلبت منا الكثير، وتذكّرنا بعد أن نسينا.. وتبقى المدينة على رأي جدّتي يرحمها الله - " جنّة النّساء ".
والسلام

شتيوي العطوي
بواسطة : شتيوي العطوي
 1  0