×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور طارق العرادي

مرضى الشمال والخطوط السعودية
الدكتور طارق العرادي

لم يعد المريض في المجتمعات المتقدمة التي تحترم إنسانها حالة طارئة يتعامل معها المجتمع ومؤسساته عن طريق إدارة الأزمات وسياسة إطفاء الحرائق والتعاطف المعلن والدموع الإعلامية، بل أصبح المريض حاضراً أصيلاً في السياسات والتشريعات بما يحقق مفهوم (الرعاية) المستدامة لا الوقوف عند تقديم العلاج.
ولو ربطنا بعض المشكلات التي طرحها الإعلام مؤخراً ومنها الأوضاع السيئة التي يعاني منها نزلاء مراكز التأهيل الشامل ودور الرعاية، بالمشكلة التي أتناولها هنا، لوجدنا أن الخلل ينبع من معين واحد يتمثل في الرؤية المؤسسية للمرضى ولذوي الاحتياجات الخاصة وما تعانيه هذه الرؤية من خلل عميق في التخطيط والتنفيذ.
أعلم أن معاناة المرضى مع الناقل الجوي موجودة في جميع المناطق الطرفية، لكنني خصصت الشمال ومنطقة تبوك تحديداً وذلك لامتلاكي المعلومة اللازمة لطرحها للقارئ الكريم، وأعلم أن الموضوع طرح مرات عديدة في الإعلام لكن معاناة الناس مازالت قائمة لذا وجب التعرض لها، والمشكلة باختصار شديد هي أن المريض لا يستطيع الذهاب إلى موعده في المستشفيات التخصصية في الرياض -غالباً- بسبب عدم وجود مقعد شاغر على متن الطائرة مما يفوت عليه فرصة علاجية أو يؤخرها خاصة حالات التنويم التي يتاح فيها السرير لمدة لا تتجاوز 48 ساعة من تاريخ الموعد.
دعونا نبدأ القصة من أولها، تصدر الهيئة الطبية العامة في تبوك التابعة لوزارة الصحة ما يزيد على ألف قرار سنوياً لمرضى يتم تحويلهم إلى مختلف المستشفيات التخصصية، وبعملية حسابية متحفظة تراعي أقل عدد من المواعيد الممكنة مع عدد المرافقين للمرضى فإننا أمام احتياج بمعدل سبعة مقاعد يومياً، وهذا الرقم متحفظ جداً إذ لم نتعرض لمرضى المستشفى العسكري المحولين أيضاً. علينا الإقرار بأن إحالة المرضى إلى مراكز متخصصة لن يتوقف، وذلك ليس مرتبطاً فقط بتخلف التنمية الطبية في الأطراف عن الوسط، بل لأن التقدم الطبي هائل وسريع وأصبحت التخصصات الفرعية تزداد تفرعاً مما يدعو للتعامل بواقعية مع هذا الإشكال عبر استمرار نظام الإحالة لكن ليكون حلاً لا عائقاً، إذ لا يمكن توفير الخدمات التخصصية في كل مكان من البلد، وهذا مسلك علمي مرتبط باقتصاديات الخدمة الطبية وظروف أخرى، خاصة مع هذه المسافات بين مناطق الوطن والتي تدعو لمراجعة شاملة لنقل المرضى بما في ذلك النقل الإسعافي السائر منه والطائر، وليخرج الإخلاء الطبي أيضاً من بيروقراطية التنفيذ لتكون الحالة برمتها مواكبة شاملة ومكملة لمفهوم رعاية المريض.
ومما يزيد الأمور تعقيداً هذا التفاوت في التطور في تقديم الخدمة عبر الوسائل الإلكترونية لتكون التقنية عبئاً بدل أن تكون عنصر تيسير، فأصبحت المستشفيات التخصصية ترسل قبول المريض على جواله في أي وقت من صبح أو مساء وتطالبه بالحضور العاجل قبل فوات السرير دون تنسيق إلكتروني مع المستشفى المحال منه المريض أو مع الخطوط السعودية، وهنا يقع المريض في مأزق انتظار الجزء الورقي وما يتبعه من روتين إداري لإصدار أمر إركاب حكومي، وقد يتأخر إرسال الموعد ورقياً وتنتهي المهلة المعطاة لإصدار التذاكر ويدخل المريض في معمعة لا يعرف كيف يخرج منها. وهنا ضرورة التنبيه إلى ما تمت الإشارة إليه عدة مرات حول التنسيق بين القطاعات المختلفة والنجاة من هذا الشتات الخدمي. في الأسبوع المنصرم فقط سافر ثلاثة مرضى من تبوك إلى الرياض بسياراتهم الخاصة للحاق بالموعد عندما لم يتمكنوا من الحصول على مقعد شاغر في الخطوط السعودية، ويتكرر هذا السيناريو على مدار العام لكنه يزداد حدة في الصيف، علماً بأننا لا نستطيع أن نقنع (المرض) أن يأخذ إجازة لينسجم مع أزماتنا الصيفية! أقول للحق إنك قد تجد حلولاً فردية من بعض موظفي الخطوط السعودية لحل هذه الإشكاليات لكنها لا تعوض وضع حل شامل يبتعد عن توسل الناس وتسولهم، فعندما تحضر (أخلاق الفرد) فإننا بحاجة أيضاً (لأخلاق المؤسسة) حتى تقدم الخدمة بسلاسة وكرامة.
هناك عدة حلول ممكنة لكنني أشير لحل عملي يمكن للخطوط السعودية أن تقوم به، وهو وبعد التنسيق مع الجهات الصحية في كل منطقة بحجز مقاعد يومياً للتحويلات المحتملة وفق الإحصائيات، بحيث يتم تجيير هذه المقاعد المحجوزة في النصف ساعة الأخير لصالح ركاب الانتظار عند عدم وجود مرضى، لأن العكس هو ما يحصل الآن، ولن يؤثر ذلك على ربحية الناقل الوطني، وحتى لو افترضنا ذلك فلتعدّها من المسؤولية الاجتماعية الواجبة عليها للوطن.
بواسطة : الدكتور طارق العرادي
 11  0