×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سلطـان الحويطي

إذا كان الزواج نصف الدين فماهو النصف الآخر
سلطـان الحويطي

يظهر من الباب شيخ كبير في السن يرتدي جلباب ابيض , يقلب وجهه المكتسي بالتجاعيد والذي ينتهي إلي لحية كثيفة تميل للحمره , يحتفي به الحضور ويفسح له صدر المجلس يسير بتثاقل وما ان يصل المكان المخصص له حتى كوم جسده المنهك هناك , وبعد فتره صمت قصيرة اخذ يرنوا بعينيه الغائرتين للحضور حتى شخص نظره إلي شاب في العشرين من عمره ,,
وقال بنبره غلفت بالوقار موجها حديثه للشاب يآبني لماذا لاتكمل نصف دينك فأجابه الشاب بلباقة أكملته يآعم !!
توجس الشيخ قليلا وقال ما أعرفه انك غير متزوج والزواج نصف الدين يآبني فقال الشاب لقد أكملت النصف الآخر ياعم !!!!.
نصف الدين هو الزواج هكذا عرفنا ولكن ماهو النصف الآخر الذي غفلنا عنه, لقد اشغلني كثير هذا النصف وبحثت هنا وهناك هل يعقل أن يكون النصف الآخر هو باقي الدين من شروط الإسلام وفرائضه
التي نؤديها لكن حتما هذا خطأ ولا يقبله العقل ولا المنطق , لان نصف الدين والمقصود به الزواج هنا هو للمسلم أي لابد وان يكون مؤدي لشروط الاسلام موافقا للشريعة مخلصا لله مبتعدا عن نواقض الاسلام .
إذا ماهو النصف الآخر للدين ؟
انه هذا النصف لهو أمر عظيم بالغ الخطورة قد غفلنا عنه وتغافلنا وعددناه أمرا يسيرا لأنه لايستلزم جهد منا حتى يوقعنا في المهالك ولكنه يستلزم جهد جهيد حتى نتمكن من صيانته وكبح جماحه .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ((من يضمن لي ما بين لَحْيَيه ورجليه أضمن له الجنة)) البخاري.
إذا هنا دخول الجنة مشروط بشرط صادق وضمان حق انه ضمان الفرج من الزنا ويكون بالزواج أما الضمان الثاني فهو الأشد والأصعب انه ضمان اللسان من اللغو في الحديث والخوض في اعراض الناس
ويكون الضمان بالصمت أو الحديث بالحق . ومن يستطيع أن يلجم لسانه عن الباطل فقد فاز بإكمال نصف دينه ,,
والفرق بين الشرطين أن احدهما يتم بالممارسة بشرط ,والآخر يتم بالامتناع المطلق وشتان بين الأمرين.

ان هذا العضو الصغير هو ما يعبر به الإنسان عن رغباته ويطلب به احتياجاته وهو ما يفصح به عن مكنون نفسه و يترجم مابقلبه ,
قال صلى الله عليه وسلم:
(لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) أخرجه احمد.
إذ انه لايمكن لمن استقام قلبه أن يتحدث بالباطل أويغتاب .. إن كل مايصيب المجتمع من آفات اجتماعيه مسئول عنها اللسان فالنميمة والغيبة والسب وشهادة الزور والكذب كلها تفتك بالمجتمع وأعظم من ذلك أن الحرب تبدأ بكلمه
وهاهو نصر ابن سيار يرسل للخليفه مروان ابن محمد وهو يسمع الكلام عن فكره قيام دوله عباسيه:
أرى تحت الرماد وميض جمرا ... حريا أن يكون له ضرام
فأن النار في العودين توري .... وان الحرب يبدأها الكلام
نعم اللسان يفعل كل ذلك فكل حركه أو إقدام على فعل خلفه اللسان فاليد مثلا تبطش بعد كلمه قيلت وربما يصل الأمر للقتل ..وكم في القبور من قتله لسانه
يقول الشاعر :
يموت الفتى من عثرة بلسانه ... وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه ..... وعثرته بالرجل تبرا على مهل
قيل أيضا : مقتل الرجل بين فكيه.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم ((إن العبد ليقول الكلمة لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس يهوى به أبعد ما بين السماء والأرض، وإن المرء ليزل عن لسانه أشد مما يزل عن قدميه ))أخرجه البخاري.
في المجلس تعلوا البهجة محياهم وهم يستمعون لحديث الشيخ الكبير في السن وهو يأتي على ذكر احد الأشخاص بالسوء
ومن ثم يغص المجلس بتفاهات الحديث وبقبيح الكلم , والسخرية من الآخرين , والنميمة , والغيبة , والألفاظ البذيئة تقابلها ضحكات رضى وطلب المزيد ,, فيقف الشاب وهو ينظر للجميع ألا تكملون نصف دينكم !! هداكم الله .
إن اللسان يجني على كل الجوارح
يقول صلى الله عليه وسلم ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان تقول: اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا))أخرجه الترمذي
ولكن نحن وللأسف الشديد ننهى وبشده عن ممارسات بعينها وكأن النهي عن المنكر اختص بها فقط , بينما الممارسات الأشد فتكا لانلقي لها بالا .. وكم في مجلس أنكر على مدخن بشده وكم في مجلس لم يحرك أحدا شئ أمام القول الباطل
إذا هي ثقافة مجتمع ينكر هذا ويتجاهل هذا .. فالإنكار على المدخن سهل لان المجتمع يرفض هذه الظاهر والمدخن يتقبل الإنكار .. أما النميمة والغيبة فيصعب إنكارها بالرغم من انها اشد فتكا بالمجتمع من الدخان .. فالأولى أن ننكر كلاهما معا . لانه لابد ان نسير على نهج الشريعة وليس على ثقافة المجتمع .
غادر الشاب المجلس ولم يكمل نصف دينه وبقي الآخرون ولم يكملوا نصف دينهم !!!.
فلنكمل ديننا كله وعندما نذكر نصف الدين لابد وان نذكر النصف الآخر . لنفوز بالوعد الحق ...
قال صلى الله عليه وسلم (( لايدخل الجنة نمام)) أخرجه مسلم
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قلت يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ((ثكلتك أمك يا معاذ. وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم؟ ) أخرجه الترمذي وابن ماجه

قال عمر بن الخطاب: من كثر كلامه كثر سقطه .. ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه .. ومن كثرت ذنوبه كانت النار أولى به .
وقال الإِمامُ الشافعيُّ رحمه اللّه لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها.

اتكائة:
احفظْ لسانَك أيُّها الإِنسانُ *** لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ

كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه *** كانتْ تهابُ لقاءَه الشجعانُ
بواسطة : سلطـان الحويطي
 19  0