جبر الخواطر… فن الرحمة وبصمة الإنسان!

جبر الخواطر الحديث عنه لا يُمل، لأنه يأتي في قمة درجات الإنسانية، وأعلى مراتب الإحساس بمشاعر الآخرين.
قليل من يلتقط وجع المكسور، ويمسح على كتف المهموم.
فهو لا يُوفق له الجميع، ولا يُجيده إلا قلب امتلأ طيبة ورحمة!

جبر الخواطر من أعظم العبادات عند الله،
لأنه لا يحتاج إلى مال أو جاه، بل إلى نية طيبة، ونفس تُدرك الوجع، وضمير حي لا يقبل أن يرى الانكسار ويمضي كأن شيئًا لم يكن…
لا يقبل أن يمر على مكسور الخاطر وكأنه لا يعنيه.

ولذا، لا يُنسى من جبر خاطرك، وطبطب على كتفك، وألقى عليك كلمة، واحتضنك في وقت كنت فيه بأمس الحاجة لمن يقف إلى جانبك.

ليس كل من مرّ بجوار الألم شعر به،وقليلون هم من يلتقطون الحزن الصامت في العيون،ويقتربون لا ليسألوا، بل ليمنحوا حضورهم الصادق كطمأنينة خفيفة، وكيدٍ حانية تمتد دون مقابل.

جبر الخواطر لا يحتاج شهادة ولا منصبًا، بل قلبًا امتلأ بحب الخير، وسكنت فيه الرحمة.
هو لُطف يتسلّل في اللحظة الأخيرة التي يوشك فيها أحدهم على الانهيار، فيوقظه، ويحضنه، ويهمس له: “أنت لست وحدك.”

ذاك الذي حضر حين غاب الجميع، ولمس كتفك بلطف،
ليس بالضرورة أن يحل مشاكلك، لكنه قال بصدق: “أنا هنا لأجلك… وأفهمك.”

في هذه الحياة، قد ننشغل ونغرق حتى في تفاصيلنا الصغيرة، وننسى أن بجوارنا من يحمل أثقالًا لا تُرى، وقلوبًا لا تتكلم، وأرواحًا تبحث عن يدٍ واحدة تمتد بلطف دون سؤال.

فالإنسانية ليست شعارًا، ولا هي ردة فعل مؤقتة،
بل موقف نبيل يتجلّى حين تواجه روحًا لم تطلب شيئًا…
كلمات قد نظنها بسيطة، لكنها في لحظة احتياج تكون عظيمة،وإشارة خفية تنبض بالرحمة:
“أنا حاسّ فيك… أنت وموجود.”
“أراك، وأشعر بك، ولن تظل وحدك.”

يكفي أن تملك قلبًا يشعر، وصمتًا يحمل تعاطفًا، وكلمة تُزرع بلُطف.
ربما تفعل أمرًا يبدو بسيطًا في نظرك، لكنه يترك أثرًا عظيمًا في قلب غيرك.
رب كلمة تُضيء عتمة أحدهم، ورب لمسة تمسح شيئًا من وجعه…
وتكون قد منحت شخصًا فرصة أخرى للحياة.

ومن جبر الخواطر أيضًا… أن تدلّ تائهًا،
سواء كان تائهًا في طريقه، سواءً في حياته العلمية أو المهنية…
أن تُمسك بيده وتقول له: “من هنا الطريق.”
أن تُرشده إلى بابٍ لم يكن يراه، أو تفتح له نافذة أمل كان يظنها أُغلِقت إلى الأبد.
فأحيانًا، لا يحتاج الإنسان أكثر من كلمة صادقة، أو يد تُرشده وسط ضياعه.

كم من قلوب انكسرت لأننا لم ننتبه،
وكم من أرواح نهضت لأن أحدهم شعر بها، واقترب، وقال:
“أنا هنا إن احتجت شيئًا.”

فلنكن أسبابًا للرحمة في عالمٍ يصرخ بالقسوة،
ولنمنح الناس ما نحب أن يُمنح لنا…
فمن يجبر الخواطر اليوم، سيُجبر خاطره غدًا.

الحياة قاسية بما يكفي، فلا تكن سببًا آخر في قسوتها.
كن كما أرادك الله: جبرًا، لا كسرًا. سندًا، لا عبئًا.
كن إنسانًا… كما يجب أن يكون الإنسان.

كل ما تحتاجه… قلب يعرف أن الإنسان عابر،
وأن ما يبقى في النهاية ليس ما قلته، ولا ما فعلته،
بل ما تركته من دفء ورحمة في قلوب من مررت بهم.

إذا أردت أن تصنع فرقًا في حياتك… اجبر خاطرًا.
فليس هناك أجمل من جبر خواطر تنتظر منك إسعادها،
وليس هناك أسوأ من كسر خاطر كان يُفترض بك أن تجبره.


3 ردود على “جبر الخواطر… فن الرحمة وبصمة الإنسان!”

  1. الصورة الرمزية لـ مممميم
    مممميم

    مبدع وكلام بالصميم

  2. الصورة الرمزية لـ بدر رجاء البلوي
    بدر رجاء البلوي

    أبدعت….. كلما ننتقل إلى السطر الآخر نقططف ورة أخرى تختلف عن أختها. جذبت القارئ بإسلوبك الجميل وكلماتك الرنانه التي نتغنى بها ونحن نقرأ فعلا جبر الخواطر لا يتقنه إلا القلوب البيضاء….

  3. الصورة الرمزية لـ Abo Rakan Albalwi
    Abo Rakan Albalwi

    يسعدني ان اكون اول المعلقين والمعجبين بهذه المقاله الجميلة دكتور عروة
    جبر الله قلوبنا جميعا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *