على أطراف الفقد.. نمضي ناقصين

هناك خسارات تمرّ على الإنسان، لا يستطيع أن يعلنها، ولا يجد للكلمات سبيلًا لوصفها.
يفقد شيئًا ما، أو شخصًا ما، فتتبدل ملامح العالم إلى الأبد. كل ما بعد الفقد لا يشبه ما قبله، وكأن الزمن نفسه قد فقد شيئًا من معناه.

ليس الألم في لحظة الوداع فقط، بل فيما يليها؛ في تفاصيل الحياة اليومية التي تمضي كأن شيئًا لم يحدث، بينما يسير القلب مثقلًا بأثقال الغياب مع كل نبضة.
تكتشف أن هناك فراغًا لا يُملأ، وأن الحضور الذي رحل كان ضوءًا خفيًا كنت تستمد منه قوتك دون أن تدري.

وتبقى لحظة الفقد الأكثر إيلامًا، هي تلك التي يكون الموت طرفًا فيها؛ إذ لا رجعة بعدها، ولا عزاء يعيد الراحلين.
ففقد الحياة هو الفقد الذي لا يساويه ألم، ولا يبلغه وجع.

مع الفقد، تصبح الأشياء الصغيرة امتحانًا شاقًا.
كلمة عابرة، مقعد فارغ، مناسبة تمرّ من دون صوت، تتحول إلى وخزات لا تهدأ.
ويصبح الصمت أكثر حضورًا من الكلام، لأن لا أحد يفهم الفقد كما يفهمه من ذاق مرارته.

والأكثر ألمًا أن الفقد يأتي مباغتًا، ينتزع من القلب قطعة لا تعوّض، ويمضي.
يترك خلفه ذاكرة معلقة بين الحنين والعجز، دون أن يمنحك فرصة حقيقية للنسيان.

في الفقد، نكبر فجأة.
نتعلم أن بعض الأحزان لا تزول، بل نصبح أكثر قدرة على حملها والتعايش معها، وعلى الابتسام رغم الجراح التي لا تندمل.

سلامٌ على كل القلوب التي ذاقت مرارة الفقد، ولا تزال تمضي بثبات، حاملةً معها ذكريات لا تنطفئ، وحنينًا لا يفتر.

رحم الله والدي، وفقيدي الذي لن يغيبه الفقد عن قلبي، وأسكنه فسيح جناته، وجمعني به في دارٍ لا فراق بعدها، ورحم الله أموات المسلمين أجمعين


اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *