في خضم الحرب التجارية المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين، أصبحت المعادن النادرة أداة استراتيجية حاسمة في صراع النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي.
تُهيمن الصين على نحو 90% من عمليات معالجة هذه المعادن عالميًا، مما يمنحها قدرة كبيرة على التأثير في سلاسل التوريد العالمية.
في عام 2023، فرضت بكين قيودًا على تصدير معادن حيوية مثل الجاليوم والجرمانيوم، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار وأثار قلقًا واسعًا في الصناعات الأمريكية المعتمدة على هذه الموارد.
تُستخدم المعادن النادرة في تصنيع مجموعة واسعة من المنتجات، بدءًا من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية، وصولاً إلى أنظمة التوجيه في الصواريخ والمعدات العسكرية المتقدمة.
يعتمد الجيش الأمريكي بشكل كبير على هذه المعادن في تصنيع أنظمة الرادار، والرؤية الليلية، والمحركات النفاثة، مما يجعل أي اضطراب في الإمدادات تهديدًا مباشرًا للأمن القومي.
وعلى الرغم من الجهود الأمريكية لتقليل الاعتماد على الصين من خلال إعادة تشغيل مناجم محلية مثل “ماونتن باس” في كاليفورنيا، إلا أن هذه المبادرات ما زالت في مراحلها الأولى، ويُتوقع أن تستغرق سنوات قبل أن تحقق الاكتفاء الذاتي.
في هذه الأثناء، تستمر الصين في تعزيز سيطرتها من خلال حظر تصدير تقنيات معالجة المعادن النادرة، مما يُصعّب على الدول الأخرى تطوير سلاسل توريد بديلة.
في ظل هذا الواقع، تُبرز المعادن النادرة ليس فقط كموارد طبيعية ثمينة، بل كأدوات جيوسياسية تُستخدم في تشكيل موازين القوى العالمية، مما يجعلها محورًا أساسيًا في النزاعات الاقتصادية والتكنولوجية الراهنة.
المعادن النادرة، التي تُعرف أيضًا باسم “فيتامينات الكيمياء”، تشمل 17 عنصرًا كيميائيًا، من أبرزها النيوديميوم، الديسبروسيوم، التربيوم، اللانثانوم، والإيتريوم.
تتميز هذه العناصر بخصائصها الفيزيائية الفريدة مثل المغناطيسية العالية والموصلية الكهربائية الممتازة، ما يجعلها ضرورية في تقنيات المستقبل.
ويُعد النيوديميوم مثلًا عنصرًا لا غنى عنه في صناعة مغناطيسات قوية تُستخدم في محركات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح.
أما الديسبروسيوم والتربيوم، فهما عنصران حاسمان في ضمان كفاءة هذه المغناطيسات في درجات الحرارة العالية، ما يُعزز من أداء الأجهزة العسكرية والتجارية على حد سواء.
وتُعد الصين المورد العالمي الأبرز لهذه المعادن، حيث تُنتج نحو 70% من الكميات المستخرجة وتُعالج أكثر من 90% من الإنتاج العالمي.
وقد استثمرت بكين في سلاسل الإمداد والمعالجة بشكل مكثف، ما منحها تفوقًا استراتيجيًا تستخدمه كورقة ضغط جيوسياسية واقتصادية في وجه القوى الغربية.
ومع احتدام المنافسة الجيوسياسية والتكنولوجية، باتت هذه الكنوز الخفية تُشكل نقطة ارتكاز في معادلة الأمن القومي والابتكار الصناعي، مما يضع العالم أمام سباق محموم نحو تأمين مصادر بديلة وفك الارتباط عن الهيمنة الصينية.
اترك تعليقاً