×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
صدى تبوك

الدراسة في خرابة!

هل يمكن أن تتخيل عزيزي القارئ ماذا سيحدث لو كان طلابنا الصغار يذهبون كل يوم صباحا ليدرسون في خرابة؟! أعتقد بأنك لن تستوعب هذا الأمر، لكنك حينما تتأمل وضع وزارة التربية والتعليم في السعودية ستجد بأن الكثير من الطلاب يدرسون في خرابات!، فكثير من المباني المدرسية المستأجرة في السعودية تشبه الخرابات إلى حد بعيد، وما حدث في مدرسة "براعم الوطن" في جدة من كارثة إنسانية هو نتاج حتمي للدراسة في خرابة، هذا إذا وضعنا في الحسبان أن تلك المدرسة مدرسة أهلية وبالتالي سيكون الاهتمام بها أكبر، فكيف بمدرسة حكومية مستأجرة يدرسون فيها الطلاب في المطابخ، والمناور؟ بغض النظر عن المدارس الحكومية التي تبنى حديثا وتظهر فيها التصدعات في أقل من سنة، وتصير مباني آيلة للسقوط!
أعرف صديقا لي كثيرا ما كان يعلّق ويتندر على نفسه بأنه درس لأربع سنوات من حياته في "مطبخ"، في البداية لم أكن أتخيل ذلك، لكنني بعد فترة من الزمن فعلا وجدت طلابا في السعودية يدرسون في مطبخ، بدلالة السيراميك والقيشاني على جدران تلك الغرفة التي يتعلم فيها طلابنا القراءة، والعلوم، والرياضيات، والتجويد، والسلوك أيضا. فكيف نريد أن نربي طلابا على السلوك الجيد ونحن لا نحترمهم بحيث نقوم بتدريسهم في مطبخ، أو بعبارة أخرى كيف نريد أن نربّي السلوك الجيد في طلابنا ونحن نقوم بتدريسهم في خرابة مطليّة جدرانها باللون الأبيض؟!
لابد أن نعترف بمرارة بأن المباني المستأجرة في السعودية بدون وسائل سلامة، وبدون مخارج طوارئ، وبدون أي احترازات أبدا، فأنا أقترح على إدارات التربية والتعليم صرف مظلات عسكرية يحملها الطالب معه بجانب حقيبته التي تضاهي في وزنها وزن تلك المظلة لكي يقوموا بالاستعانة بها لا سمح الله إذا حصل مكروه، وصعدوا فوق سطح تلك الخرابة، ليحلّقوا في الفضاء ولا يقعوا على رؤوسهم، أو أرجلهم، أو ظهورهم ويلقون حتفهم، فبدلا من أن تقوم الوزارة بتكليف نفسها بدفع مئات الملايين في بناء مدارس حديثة وجيدة، تقوم بتوفير مظلات عسكرية وإعطاء المعلمين دورة في تلك المظلات، ويقوم المعلمين بدورهم بتعليم الطلاب كيف يمكن الاستعانة بتلك المظلات؟ وهنا يمكن أن توفّر الوزارة الكثير من الأموال بطريقة سهلة جدا. أو تقوم الوزارة بتدريس الطلاب في خيام، وبيوت شعر، فهذه الخيام أفضل بكثير من مباني مستأجرة آيلة للسقوط، أو مباني لا يوجد بها أي وسيلة للسلامة، على الأقل لو حصل حريق في الخيمة لا سمح الله يمكن أن يطلق الطلاب سيقانهم للريح، ليتحوّل الطفل من طالب مجتهد إلى "موستنق" فالحياة بلا تعليم، أفضل من الموت وأنت تحمل شهادة عملية عالية جدا.
سأحاول أن أحكي لكم حكاية، فأنا أعرف مدرسة حكومية مستأجرة قام مدير المدرسة فيها بطلب "قطّة" من المعلمين لتحسين وضع المدرسة، وترميمها، فجاء معلم "عبيط" وسأل المدير: لماذا لا تطلب من إدارة التربية والتعليم مخاطبة مالك المبنى لترميم المدرسة وعمل التحسينات؟ فرد عليه المدير بنبرة فيها من الأسى الشيء الكثير قائلا: مالك المبنى لا يسكن في المنطقة أساسا، وهو منذ خمسة أعوام وهو لا يعرف عن المدرسة شيئا، وبالمقابل يتعامل مع المدرسة وفق منطق (عاجبكم عاجبكم، مو عاجبكم أطلعوا من المبنى)!، وإدارة التربية والتعليم تتعامل مع ملاّك المباني المستأجرة في المجمل على أنهم (آخر العنقود) بدلع، ودلال مبالغ، والضحية في النهاية هم براعم الوطن!، فلم يكن من ذلك المعلم إلا أن قال: إذا كانت إدارة التربية والتعليم تتعامل مع ملاّك المباني المستأجرة بهذا المنطق، فكيف تطلب منا الإخلاص في العمل، وترديد تلك المقولة دائما على مسامعنا (إن هؤلاء الطلاب أمانة في أعناقكم، فحافظوا عليهم)، وهي في الأساس لا تهتم لحفظ أمانتها!
أعتقد بأن الناس بدؤوا شيئا فشيئا يفقدون الثقة في وزارة التربية والتعليم، وبدؤوا يتأكدون بأن ثلث ميزانية الدولة التي تذهب لوزارة التربية والتعليم تصرف في غير مكانها، وأنا لايهمني أين تصرف هذه المبالغ؟ وأين تذهب؟ لكن ما يهمني بالدرجة الأولى ألا يتجاوز نهب الأموال في بلادنا إلى نهب الأرواح، لأن طلابنا الصغار الذي ربما يحترقون في أي مدرسة، أو ربما لا يجدون لهم ملاذا آمنا في حال حصلت كارثة لا سمح الله هم عماد هذه الدولة في المستقبل، وأرواحهم هذه أمانة في أعناق المسؤولين في وزارة التربية والتعليم، فالوزارة اهتمت بالمناهج التعليمية وأفسدتها كثيرا، وهذا أمر لا يمكن أن تذهب فيه الأرواح، لكنها لم تهتم بسلامة الطلاب الصغار الذين يستيقظون كل يوم صباحا ليذهبوا وليتعلموا، وهم لا يعلمون بأنهم يسيرون إلى حتفهم في مدرسة تكون فيها الفصول الدراسية عبارة عن "مطبخ"، و "منور".
كل يوم والآخر نسمع عن رداءة مخرجات التعليم، ونسمع عن تدني في مستوى الطلاب والمعلمين، وهذا أمر لا يمكن أن ننكره، لكنني أعتقد بأن طالبا يعود إلى منزل وتحصيله الدراسي ضعيف جدا، أفضل بكثير من طالب متميّز وموهوب يموت قبل أن يعود إلى منزله!.

علوان السهيمي
Alwan_mohd@hotmail.com
http://twitter.com/#!/alwan_alsuhaymi

بواسطة : صدى تبوك
 8  0