×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

ديكنا الذي قتله تنظيم القطط !
شتيوي العطوي


كان يصدح بصوته الندي في فضاءات واسعة . وكان يعتلي حبل البيت كلاعب سيرك، يتفلّى حينا ويغفو حينا آخر . ينظر إلى آفاق الدنيا من حوله ويمتع ناظريه بإشراقات الصباح وساعات الغروب . وبين حين وحين يلقي السّمع وكأنّ شيئا ما خلف الحجب يناديه، فما يلبث أن يجيب " عوعوووع ". واليوم يجد نفسه بين جدران عالية، ولم يعد يعرف من أين تطلع الشمس . وجد نفسه في حي لا مكان فيه للدجاج، فالمخططون الإستراتيجيون لم يحسبوا لوجوده حسابا، بحيث يكون في المنزل ركن مخصص للدجاج . آه لقد غاب عنهم ذلك كما غاب عنهم حديقة صغيرة للمنزل أو ناد في الحي يمارس فيه الديك هواياته .
لم يجد ديكنا من مساحات الدنيا الواسعة غير زاوية في الارتداد ( 2م ) يقال عنه " حوش " ، مساحة تمنحه قليلا من ضوء شمس وقت الظهيرة، وشيئا من الأوكسجين المشبّع بحرارة مكيفات الفريون ورائحة غرف التفتيش .
أدرك أبو اليقظان بعد فوات الأوان أنه وقع في شرك مدينة لا ترحل . مدينة ليلها كنهارها . فكثيرا ما كان يصحو من النوم فيظن أن الصبح أدركه، ثم يتبين له أنه ما يزال في ليل، وأن تلك الزّهرة ما هي إلا كواشف المدينة التي لا تكاد تنام . لذلك أصيب ديكنا بداء السّهر . وكيف له أن يهنأ بنوم وهو يسمع زعيق المفحطين ومزامير سيارات الوجبات السريعة التي تمد البطون الساهرة بالهامبرجر والبيتزا .
هل يجد ديكنا في الرز " المتلتل " ما يجعله ينسى تلك الأيام الخوالي، حين كان ينظر إلى القمر وإلى النجوم وهي تتلألأ في صفحة السماء، ونسيم البر يأتيه من كل ناحية ؟
كيف له أن ينسى تلك الأيام التي قضاها بصحبة تلك العجوز التي تبحث عن حياة لجسد أعيا الترحال بين شعاب وأودية وسيحان . أمكنة لا وجود فيها لتحديد سرعة أو إشارات حمراء أو مطبات ترفع ضغط بعيرها الذي لا يكاد يرغي .
واليوم لا سبيل لتغيير مكان، وفي كل يوم كان ديكنا يشرف من على ظهر الجدار وينظر إلى طول الشارع وعرضه، فيهز رأسه، ثم ما يلبث أن يهبط وقد مال عرفه، فيعود إلى حيث الزاوية الضّيقة . وفي أحد الأيام كان له ابن الجيران بالمرصاد، حيث أطلق عليه قذيقة من نبلته عابرة للجدران فأردته قتيلا .
كان مشهد الديك وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة محزنا، وبينما كنت أعاين جثته إذ مرّت بعض القطط المستوطنة في البيت، والتي تحظى باهتمام الأطفال، لكنها تسبّب لي الكثير من الإزعاج، لذلك قرّرت أن أستفيد من مقتل الديك في الحرب على القطط . فجاء الأولاد ورأوا المشهد فغضبوا وسألوا : من فعل هذا بديكنا ؟ فقلت لهم : القط اللعين !.فذهبوا يطاردون القطط ، ولم تغرب شمس ذلك اليوم حتى لم يبق في البيت " قط "، وكأنه لم تكن بين الأولاد وبين القطط مودة . تلك القطط البريئة التي لم تعلم سبب تغيّر موقف الأطفال منها. ولم تدرك تلك المؤامرة .
ماذا لو أخبرت الأولاد بالحقيقة ؟
لكن كيف غاب عن الأولاد أن مقتل الديك لا يحمل بصمة " القط " . فلو كان هو القاتل لما وجدوا من الديك غير الريش . لقد كانت ثقتهم العمياء في حضرتي هي السبب في غياب الوعي وعدم التثبت، ولا بد وأني سعيد بتلك الثقة لتمرير الكثير من المؤامرات . والحكاية أكبر من ديك وقط ، في عالم وجد فيه عتاة القتلة في الإرهاب المصنوع " المحترف " غايتهم وبراءتهم تحت مظلة إعلام مزوّر للحقيقة .
والسلام
بواسطة : شتيوي العطوي
 10  0