×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور مسعد العطوي

قصة قصيرة: الراعية
الدكتور مسعد العطوي

الـــــــــــــــــــــــراعية
طال بي الأمد عن الراعية المعمرة ، فخرجت أترقبها في أحضان الجبال، وفي قممها حتى عثرت عليها في شعب منحدر من الأعلى كثيف الشجر مطلا على وادي (المعظم)، فسلمت، واستبشرت بها، وأشرق وجهها.
وقالت: افتقدتك لعلك بخير.
قلت لها: أنشغلتُ بلا أشغال .
قالت: لعلك غصت بالأفكار، ومطارحة الأشعار، والتسلية بالأخبار.
قلت: أنتِ استوعبت حياتي، وليتك تزورين مكتبتي، أمّا كتبي المعاصرة، فليست بجاذبة لكِ.
قالت: قبل أن أنسى أحضر لي معك قرآنا كبير الحروف.
قلت: أبتهج بطلبك، ولكن كيف كنت تقرئين القرآن من قبل؟ فأخرجت من عيبتها (الحقيبة) الآن، أورقا قديمة أكل عليها الدهر وشرب ، حتى حروفها غير واضحة.
قلت لها: من أين هذا القرآن؟
قالت: قبل مائتي عاما أصاب الأرض جدبا متواليا ونضبت مياه الآبار، فجاءت قافلة للحج مثقلة بالأحمال، وإبل خاوية من الجوع، وأناس عليهم غبرة، وشفاه يابسة، فلما أناخوا إبلهم حول الجفار والبركة الكبرى في المعظم لم يجدوا ماء، فخارت عزائمهم وكثير منهم مات، ونفقت الإبل، وقامت الأعراب بإسعاف بعضهم، ولكن الماء بعيد فأركبوهم على الإبل حتى أوصلوهم، أمّا البقية فقد ماتوا عطشا وبعد فترة من الزمن جئتُ على أثارهم؛ فهالني ما رأيت من تناثر العظام من الإبل ، أمّا الأواني؛ فإن الأعراب، قد استفادوا منها، وقد عثرت على أشياء صالحة لي ومن يرد ماء المعظم يتجول بين هذه البقايا، فيجد أشياء حتى أني وجدت كيسا من الدقيق، إنها كوارث الدهر، ووجدت كتبا، ووجدت القرآن هذا.
قلت: لعلكِ تجمعين شتات أوراقه، وأعتبره مخطوطة.
فقالت: لك ذلك إذا أحضرت الجديد.
قلت: وأغنامك ألم تنفق (تموت) في تلك السنين.
قالت: هزلت وضعفت، ولكنها لم تمت لأني أتتبع رؤوس الجبال وأحضان القمم، فتجد الأغنام ما يسد رمقها.
قلت: وهل تبض بالحليب كي يمدك بالغذاء .
قالت: بل جف الضرع.
قلت: و كيف تتغذين؟
قالت: مع الأغنام أقطف من الأشجار، وأصيد من الجرابيع والسحالاء، فهي تكون حية لأنها لا تحتاج إلى ماء.
قلت: فكيف كنتِ تطبخين؟
قالت: أكثر الطبخ دقيق مع لبن، لأن ذلك يوفر الدقيق.
قلت: ألا قدرة لكِ على الصيد.
قالت: يسخره الله لي، فتارة أمسك به على حين غِرة، وتارة أجد أولادها، وتارة تتلوى من الإصابات، فأُجهز عليها بالذكاة.
قلت أيها الراعية: أنت لست براعية أغنام، ولكنك موسوعة معرفة.
بواسطة : الدكتور مسعد العطوي
 13  0