×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

غوّار ضاع في " الطّوشة " !
شتيوي العطوي

غوّار ضاع في " الطّوشة " !
كتب أحدهم على باب بيته: هنا يسكن رجل حاول أن يكتب دون أن يكذب! فمّر به آخر، وكتب تحت تلك العبارة : يكفيه شرف المحاولة !
وبعد:
قال أحد السائقين العرب: كنا مجموعة من سائقي الشّحن على الحدود الليبية في عصر القذافي، وكان هناك سوء تفاهم بين الزعيم وبعض الدول العربية الشقيقة، فجاء أحد الضبّاط وسمح للأفارقة بالدخول، وتركنا نحن العرب المغضوب عليهم، فصرخت من بين الجموع وقلت للضابط وأنا أرفع جواز سفري فوق رأسي: أنا من البلد الفلاني! ولم يكن بلدي حينها من المغضوب عليهم من قبل نظام القذافي، وكنت أمل أن تشفع لي تلك العلاقة الودية بالعبور، فناداني الضابط، فهرولت إليه، وحين وقفت بين يديه، سألني قائلا وهو يشير إلى جزمته: ما هذه ؟ فقلت: جزمة ! ثم أشار إلى جزمته الأخرى وسألني: وهذه ؟ فقلت: جزمة ! فقال ساخرا: كلكم جزم!
هذا الموقف وكثير من المواقف على حدود العرب ذكّرني ب "غوّار الطوشة " في فيلم الحدود حين ضاع منه جواز سفره بين شرقستان وغربستان، وأنا لا أكاد أصدّق أنّ " دريد لحام " ممكن أن ينحاز إلى معسكر الظلم والطغيان ويدوس على شرف المبادىء والإنسانية ويصبح بوقا لأرذل نظام عرفه التاريخ.
غوّار تلك الشخصية التي كانت تضحكنا وتبكينا وهو يرسم الواقع العربي بتلك المسرحيات والأفلام السياسية( الهيكل ) الذي يكمن أن يتم تركيبه على أي "شاصيه " عربي .
الكل كان يفهم "غوّار " من المحيط إلى الخليج، ولا أعتقد أن شخصية دخلت عقول وقلوب الناس كشخصية " غوّار " ذلك الإنسان الذي كان في يوم من الأيام " سفير النوايا الحسنة لليونسيف في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ". لقد كان سفيرا من قبل لكل مواطن عربي حين كان يتقمص شخصية المواطن البسيط ليدافع عن كرامته وحقوقه.
لقد مات أكثر رفاق غوار: مات أبو عنتر، مات ياسين بقوش، مات حسني البورزان ومات محمد الماغوط الذي صنع " غوار" وبقي بطل " كاسك يا وطن " على قيد الحياة شاهدا حيا على السيناريوهات التي كتبها هو أو شارك في كتابتها وإخراجها. هل نسي " غوار " وهو يخاطب والده في تلك المسرحية بقوله الله وكيلك يا أبي مو ناقصنا إلا شوّية كرامة !؟ . ولا أدري إن كان ما يزال يذكر ما قاله عن " شقائق النعمان " ومأساة الإنسان العربي عند الحدود، وكيف هي مأساة الشعب السوري وكل عربي اليوم عند كل حدود.
قد أجد لغوار الطوشة في موقفه العذر لأنه يقع تحت قبضة نظام مجرم، لكني لا أجد العذر لأولئك المطبلين من بعيد من مثففي العرب لبراميل الأسد المتفجرة على رؤوس السوريين، ومنهم من يؤلب العالم على النازحين منهم ويصفونهم بالإرهاب .
لقد جسّد "غوّار" الواقع العربي باحتراف قل نظيره في كل من : كاسك يا وطن، غربة ، ضيعة تشرين،الحدود ، التقرير . وفي التقرير كان المشهد محزنا حين يموت البطل وتدوسه الأقدام في ملعب لكرة القدم .
لم يكن "غوّار" وحده من ضاع في الطّوشة، فكل العرب ضاعوا في الطّوشة،ولم يعد العربي يعرف رأسه من قدميه، ويبقى " غوار " شخصية مثلت الدّور على مسرح من خشب لجمهور كان يعتقد أنّ المسرح مطرح للسياسة.
بواسطة : شتيوي العطوي
 5  0