×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
شتيوي العطوي

جمهوريّة الدّجاج!
شتيوي العطوي

جمهوريّة الدّجاج!


قال أحد الخبّازين: دقيق الخبز متوفر لدينا، لكن لا يوجد لدينا خميرة !
وبعد:
أهداني أحد الأخوة قطيعا من الدجاج البلدي البيّاض، وكنت سعيدا بتلك الهدية، فشرعت في بناء " خم " يليق بمقام القوّاقات. ولأن السّكن فكر، فقد فكّرت أن يكون البناء مطابق للمواصفات والمقاييس العالمية، وليس على شاكلة تصميم خم " أم رفعة " التقليدي الذي يشبه السجون العربية، فيصورها الإعلام الردىء على أنها فنادق "خمس نجوم" !
كنت أبني، وأغنّي، كما كان وديع الصافي يغنّي "عمّر يا معلّم العمار وعلّي حارتنا "، وكنت سعيدا أن هذا البناء لا تتدخل فيه أي جهة، ولا مكتب تخطيط (نسخ ولزق )، ولا إشراف هندسي ( فهلوي ) يجعل البناء يتصدع ويتم ترميمه قبل أن يسكنه أهله..
كان العمل يسير على قدم وساق، وأنا أترنم بمعزوفة وديع الصافي " شيل حجار وحطّ حجار " فاكتشفت أن وديع الصافي لم يكن مطربا فحسب، بل كان مقاولا أيضا.
جميل أن يتدخل الطرب في المقاولات والسياسة والاقتصاد والطب والهندسة وحتى في علوم الذرة!. وكم هو رائع أن تغني وأنت تحقق إنجازا تسعد به، ويسعد به الذين ينتظرون هذا الانجاز. لقد كان الخم بناء مدهشا يصلح لشخص مثلي أن يتمغط فيه، وقد حلم ذات يوم أن يكون في فناء بيته حديقة تتوسطها شجرة بلوط يسند ظهره المعوج إلى جذعها حين سن التقاعد، ويعزف على قيثارته لأحفاده لحن السنين، لكن ذلك الحلم لم يتحقق إلا في رواية كتبتها في بواكير حياتي بعنوان " ماجدولين "، تلك الرواية التي لم يبق منها في ذاكرتي سوى عبارة " لا شيء، غير أني، أغني" !
الحقيقة أنني لا أطمح أن تبيض الدجاجة ذهبا، أريد فقط بيضا ولحما خاليين من الهرمونات ، وعلى قدر الانجاز المتمثل في الخم الاستثنائي يأتي اللحم والبيض.
ورغم كرم صاحبي الذي يشبه كرم حاتم الطائي، مع أن حاتم طي لم يكن مليار دير ينحر خمسة بعارين فيقول المنافقون: إذا مات حاتم طي، ففلان باقي حيّ !
أقول رغم كرم صاحبي، إلا أنه بخل عليّ بديك " زعيم ذكر " لكن تأتي الحيطان بما لا يخطر ببال الشيطان، ففي ذات يوم تسوّر الجدار ديك " أبرش " لا أدري من أين جاء، فهبط إلى الخم فأعجبه المقام، وحين رأى أنه لا يوجد له منازع، أعتلى الخم ونفش ريشه ومط رقبته ناحية الغرب ( الوجهة السياسية ) وأخذ يصيح:عوعووووع !
لقد أعلن الديك استيلائه على الخم وقيام الجمهورية، وكنت أول المعترفين بهذا الكيان الجديد، تزامن ذلك مع صوت دجاجات تقاقي وكأنها تزغرد لهذا الحدث العظيم (من أولها تطبيل ).ولا يعنيني أن يكون الديك دكتاتوريا أو ديموقراطيا، فالمهم البيض والفراخ .
مضت سنتان تقريبا وأنا في بحبوبة، والدجاج بقيادة الزعيم الملهم يسرح ويمرح في عرض الحوش وطوله، ولأني شخص يحب الحرية والانطلاق، فقد تركت باب الخم مفتوحا ليلا ونهارا. وفي ذات يوم زرعت زرعا، فخشيت عليه، وقمت بإغلاق باب الخم على الدجاج، فحدث ما لم أتوقعه ، فتغير مزاج الدجاج وعمت الفوضى الخم ، وأحتدم الصراع، فامتلأ الخم بالريش والدماء. وفي ذلك الجو المشحون لم يعد هناك بيض!
لقد عرفت أن السلام الحقيقي يدخل ويخرج من باب الحريّة، لذلك خلعت الباب ووضعت سياجا على الزرع، فعاد السلام بين الدجاج، وشرع الديك يصيح بصوت الحريّة في جمهورية الدجاج الديمقراطية.

بواسطة : شتيوي العطوي
 1  0