×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور مسعد العطوي

الراعية ونيران العرب
الدكتور مسعد العطوي


الراعية ونيران العرب

بعد لأيٍ عثرت على الراعية التقية في خميلة ملتفة بشجر الرتم كأنها دائرة على بطحاء زرقاء لم يتخللها الغبار ؛وإذا بالنار تتقد والحطب متراكم
قلت : لم أعهدك تجمعين الحطب هكذا قالت: أن الجو شتاء قارس البرد ؛ولكي نقترب من حرارتها أنا وشويهاتي ؛ثم أردفت تقول :إن الحطب من شجر الرتم ميسور ؛فلا يعوزك الحطب وأنت في غابة الرتم
قلت: ذكرتني بنيران العرب؛فنحن الآن نستخدمها للطبخ والتدفئة؛وكاد الطبخ يستغني عنها إلا في الرحلات البرية؛
ولكن ما وظائفها عبر القرون التي أثقلتك بخبرتها وتجاربها
قالت :كانت النار وحطبها هي الوسيلة لإعداد الأطعمة ،وكانت سراجا للبوادي
وعلامات يهتدي بها السراة؛
قلت :إن نار العرب فوق الجبال مشهورة بأنها دعوة للأضياف وللجائعين والتائهين
قالت: إن فيه رجال أثرياء ومن أمراء القبائل يشعلونها كرما وسخاء،وتارة للتفاخر والجميع محدود العدد
قلت :هل أدركت نار الكرم هذه قالت :لا غير أني سمعت بأخبارها
قلت: أوتعرفين استعمالا للنار غير ذلك قالت كنت في بلادكم في جبل (وتر)أعلى جبل في سروات الشمال؛فإذا بإمرأة تحمل حِزم الحطب وتضعها على قمة الجبل قالت لها: لماذا هذا التراكم للحطب ولا تزالين تجمعين ولا برد قالت: ستعلمين وترين هذه الليلة فهي موعدها؛ فلما أظلم الليل أشعلته وأرتفعت شعلتها ولم أر مثيلا لها؛ثم جلسنا بعيدا عنها،وسألتها لماذاوأنت لا زاد عندك للأضياف قالت:إنه موعد أخي فقد طعن أحد رجال الحي في مشاجرة بينهما وذهب إلى أطراف الشام ووعد أنه يستقر في (معان )حتى يأتي موعد أشتعال النا ر إذا مات المطعون وإن كان حيّا لا أشعلها وقد مات المطعون وهذه إشارة له ليهرب لديار فلسطين ويختفي عن الأنظار حتى يفرج الله الكرب الذي أمسينا فيه وقالت لست أدري عن المسافة. بين جبل(وتر) و(معانٍ) قلت:تقترب من أربعمائة كيلا
ثم قلت :لعل ذاكرتك تستدعي توظيفات أخرى للنار قالت:إنهم يتعالجون بها بالكي وفِي أحوال التعرض للبرد الشديد فإنهم يضعون حجرا في النار حتى تشتد حرارتها ثم يطأون عليها ثم قلت :ومن استعمالات النار فهم يسِمون بها إبلهم وأغنامهم وقالت: وهناك وظائف أخرى ومنها التدفئة ؛فإن عابري السبيل الذين يظلون الطريق حيث لا دثار ولا غذاء في زمن الشتاء فيأتي أحدهم الى شجرة وبجانبه تراب كثيف ؛فيشغل النار ويصطلي عليها ؛فإذا أراد النوم أبعد النار وحفر مكانها ونام فيها أو يحفر بجانبها ويضع فيها رمادا حارا حتى تكون دافئة
وتارة تُشعل النار لأجل قتل الحشرات في الملابس وربما يشعلها المسافر وحيدا وينام بينها وبين الشجرة أو الصخرة ثم يطرد الوحوش بالشهب وقالت: لا أنسى إنني كنت أرعى غنيماتي قريبا من نزل ؛فتلبدت السحب
عند الأصيل وخشيت واقتربت من أحد بيوت النزل ؛فبادروا لدعوتي لدخول البيت ؛فدخلت؛فاشتد المطر :فأخذ الرجل يشعل النار بالحطب مع كونه أخضرا فلا يصدر منها إلا دخان كثيف ؛فإذا واكف البيت يكون أقل بكثير مما كان ويصمد البيت أمام كثافة المطر وقالت :أ تذكر أننا حين بنينا قريتنا في جانب (جبل حضن) رأيت النساء يشعلن نارا و يضعن عليها قدرا كبيرا مملؤا بالماء؛فيغسلون منه ملابسهم وأوانيهم،ويستحمون منه شتاء ثم وفدت السخانات ثم آلات القاز والغاز للطبخ وغيرها وأردفت قائلة :وكنا نضع رمادا حارا حول الخيام للحماية من الحيات والعقارب والحشرات
بواسطة : الدكتور مسعد العطوي
 3  0