×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
وليد الحارثي

سارق التّلاميذ
وليد الحارثي


أقول لكم اليوم شيئًا عن تويتر في المدرسة عمومًا. في مدرسة المدينة أو في مدرسة القرية.

مع بداية كلّ صباح، وحين يجتمع المعلّمون في الغرفة المخصّصة لهم، تجتمع معهم أحدث تقنيات الاتّصال الرّقميّ المعروفة: آيفون، آيباد، جالكسي تاب، بلاك بيري، والكمبيوتر الكفّي الصّغير.

وقبل انطلاقة الدّروس بدقائق قليلة يبدأ هؤلاء المعلّمون بالتّغريد. ينقلبون إلى مغرّدين. يلقون بأنفسهم في آفاق تويتر. عالم تويتر الفريد الجديد البديع.

يجد المعلّمون بهجةً غير عاديّة في الانشغال بالتّغريدات إلى أصدقائهم ومعارفهم ومتابعيهم. في هذه الدّقائق التي تخلو من التّدريس، يجدون متنفسًا لأفكارهم، ومشاريعهم القادمة، وتصوّراتهم للعالم.

ولا يشعرون بالتّعب، أو بالإرهاق، أو بالكلفة، أو بتقريع الذّات... لقد أصبح تويتر جزءًا من برنامج المدرسة اليوميّ.

اللاّفت للأنظار في الموضوع أيضًا أنّ التّلاميذ الصّغار أصبحوا هم عصافير هذا الزمان. أصبحوا سادة السّاحة في تويتر. يسأل تلميذ في الصّفّ الرابع الابتدائيّ: أستاذ هل لديك حساب في تويتر؟ أريد أن أتابعك! يسرّب تلميذٌ في الصّفّ الثّالث المتوسط هاتفًا ذكيًّا إلى المدرسة. يبدأ المعلّم بشرح الدّرس. ويبدأ التّلميذ بالتّغريد. بالاستغراق في عالم تويتر. ينتبه المعلم فجأة إلى المشهد. التّلميذ في وادٍ آخر. يجزع التّلميذ قليلاً ثم يتأدّب أمام مدرسه قائلاً: أرجوك! اسمحْ لي بهذه التّغريدة فقط يا أستاذ!

أسئلة كثيرة تدور في الذّهن في مطلع القرن الجديد. كيف نصنع التّغيير في مدارسنا، وفي عقول التّلاميذ، ونحن لا نزال نعلّمهم من خلال مناهج قديمة (لم تتطوّر بتطوّر التّقنيات الرقميّة فيها).

أسئلة كثيرة متلاحقة أثارتها قصّة التلميذ: "...أرجوك اسمحْ لي بهذه التّغريدة فقط يا أستاذ...".

يقبل التّلاميذ على تويتر بمختلف فئاتهم العمريّة. يرمون بأنفسهم في عوالمه الواسعة: فلا يتعبون، ولا يكلّون، ولا يسأمون.

ومع نهاية كلّ فصلٍ دراسيّ، فإنّنا نرى أطنانًا من الكتب والأوراق والدفاتر تُرمى أمام بوّابة المدرسة خلاصًا (أو تخلّصًا) من عبء اسمه: المدرسة، والكتاب المدرسيّ، والمدرّس، والنّظام التّعليميّ.

يا اللّه ...! كم هي المسافة واسعة بيننا وبين تويتر. بيننا وبين عالم التّقنيات الرّقميّة الحديثة.

تغيّر العالم. تغيّر كلّ شيء. تلاميذنا سرقتهم التّقنيات الحديثة. سرقهم تويتر من آبائهم وأمّهاتهم ومعلّميهم. تويتر عالمهم البديع الرّائع: معه يستمتعون، يتفاعلون، يتعلّمون ، يقبلون بحرارة على اكتشاف الأشياء ومتعة اكتشافها. ماذا يقول الإنسان في هذا الزّمن الجميل للإعلام الرّقمي؟ ماذا يقول عن الخراب التّربويّ الذي نعيشه؟ وكيف يمكن إدماج التّقنيات الرقميّة الحديثة في التّربية العربيّة المعاصرة. أسئلة كثيرة، وقد لا نجد لها إجاباتٍ شافية في الوقت الحالي. ولكنّنا مع ذلك نُصرُّ على السّؤال وعلى الرّغبة في معرفة الجواب.

تويتر لا يغدرُ بك. لا يصفُعك. لا يكلُّ منك. لا يملي عليك شروطه.
بواسطة : وليد الحارثي
 0  0