×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالله الفرحان

حتى لا تجمع الريش!
عبدالله الفرحان

في يوم من الأيام شعر فلَّاح بالغضب الشديد على صديقه وأخذ يقذفه بأبشع الكلمات الجارحة المؤلمة، ولم يردَّ عليه صاحبه أو ينطق، ظل ينظر إليه في صمت موجوعاً من أثر كلماته، فتركه الفلَّاح وانصرف إلى منزله، ولكن بعد مدة قصيرة هدأت أعصابه وبدأ يشعر بالندم لأنه أحزن صديقه وأخذ يعاتب نفسه قائلاً: كيف خرجت هذه الكلمات من فمي ؟! سوف أذهب الآن على الفور وأعتذر إلى صديقي.

وبالفعل أسرع الفلَّاح إلى منزل صديقه وفي خجل وندم شديدين قال له : أنا أعتذر إليك يا صديقي، أرجوك سامحني على هذه الكلمات الجارحة التي قلتها لك، تقبَّل الصديق اعتذاره، ولكن لم يشعر الفلاح بارتياح، وعاد إلى بيته وهو يشعر بالغصّة والحنق، وأخذ يعاتب نفسه ويلومها مرات ومرات على هذه الكلمات التي أحزنت صديقه، لم يسترح قلبه أبداً من يومها. فقرر الفلَّاح أن يلتقي بشيخ القرية ويعترف له بما بدر منه علّه يساعده في هذه المشكلة التي تؤلمه وتؤرق نومه، قال الفلَّاح للشيخ: أرجوك ساعدني أريد أن تستريح نفسي ويهدأ قلبي وبالي، فإني ألوم نفسي بشدة على هذه الكلمات التي بدرت مني في حق صديقي، قال له الشيخ : إن أردت أن تستريح وتهدأ فاملأ جعبتك بريش الطيور وطُفْ على جميع بيوت القرية، وضع أمام كل منزل ريشة واحدة.

تعجب الفلَّاح من هذه الفكرة ولكنه قرر تنفيذها على أي حال وبالفعل نَفَّذَ ما طلبه الشيخ، ثم عاد إليه من جديد، قال له الشيخ: الآن اذهب واجمع الريش من أمام جميع البيوت، عاد الفلَّاح ليجمع الريش ولكنه وجد الرياح قد حملت الريش وألقت به بعيداً ولم يستطع العثور سوى على عدد قليل جداً من الريش أمام الأبواب، فعاد حزيناً إلى الشيخ.

في هذه اللحظة اقترب منه الشيخ وقال له : كل كلمة تنطق بها أشبه بريشه تضعها أمام بيت أخيك، ما أسهل أن تقوم بذلك، ولكن الصعب فعلاً أن ترد الكلمات إلى فمك من جديد بعد أن بدرت منك مثلما يكون من الصعب عليك أن تجمع الريش، إذن عليك أن تجمع ريش الطيور.. أو تمسك لسانك." من قراءتي للقصة، مخطئ من يظن أن الكلام يُقال ويُسمع عبثاً ؛ إن ما تصنعنا حقاً هي: الأحاديث الجميلة، الكلمة الطيبة، اللطف والمودة، الاعتراف بالجميل ، الصدق والوضوح والعبارات النصوح؛ إن الإنسان كائن هش، كلمة طيبة قادرة على أن ترفعه عاليًا وكلمة جارحة قادرة على طرحه أرضاً وكم من إخوان اختصموا من كلمة وأصدقاء افترقوا.

لذلك احترس من لسانك فلا تتفوه بكلمة إلا بعد أن تفكر فيما تقول، فالإنسان مجموعة من المشاعر والأحاسيس، الكلمة مفتاح القلوب، تقع في قلب أحدهم فتغير رؤيته للحياة، فمن خلال كلماتك تكون أنت، وهي دليل على أخلاقك ووعيك وثقافتك ومخزونك المعرفي ، والكلمات تكشف كذلك نفسيات الآخر، لأن ما بداخلك يظهر في كلماتك ، والكلمة الطيبة صدقة، فبها تدخل السرور والفرح في قلوب الأخرين، فاجعل في كلماتك أمل وإصلاحاً للخلل وخالية من كل زلل؛ كما أننا لا نرى الجاهل إلا مُفرطاً أو مُفرّطاً، صفاء النفس وذهاب البأس بجبر الخواطر، الكلمة مفتاح دخول الجنة وسبب الانكباب في جهنم، وقال تعالى إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )، فالكأس لا يمتلئ من نقطة ، والإنسان يغضب من كلمة، ويسامح بكلمة، ويصلح الفاسد بكلمة، ويلين المعاند، والكلمة توصل ما قطع واجتث ، وتجمع الشتات، وترتق الفتق.

لابأس لو تصدقنا بالكلمة الطيبة ونحن الآن في هذه الحياة الفانية لابد أن نكون ذو وَجه جميل تعلوه ابتسامة وبشاشة، ولا يرجو من الأرواح والقلوب إلا أن تحثّ على الوَصل والمودّة، والأُلفَة والإخاء، والحُبّ والصفاء، ويُلبِس النفوس ثيابًا عَطِرَة تعبق بالأُنس والهناء.
بواسطة : عبدالله الفرحان
 0  0