×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
إيمان حماد الحماد

تهذيبا وليس تعذيبا
إيمان حماد الحماد

هو ليس تنكيلا ولا تعذيبا بل هو تأديب وتهذيب.
وطريق تمشيه بكل صعوباته، وتواجهه بقوتها وبكل تحدياته. وتتغلب على كل تهديداته، وتقاوم بكل قوتها أشد هجماته، وتحارب بكل إمكاناتها أعتى سُلُطاته، وتتقبل بكامل رغبتها ورغم ضعفها أصعب مهماته، وتتحمل على حساب صحتها أقسى اتهاماته.
ولا تحتاج في كل ذلك سلاحا ولا تنتظر إعفاءً.
ولا ترتدي لمواجهته درعا ،ولا تضيق به ذرعا، ولا همها مدحا ولا إطراءً ، حتى وإن ضاعت كل جهودها هباءً.
فيكفيها ما لديها من حب وعطاء وإيثار، فحنانها أضحى سلاحا وصدرها أمسى مراحا.
فهي به تقوى على كل صعب وبلاء وأخطار، لأنها تتعامل بطريقتها، وتتصرف حسب سليقتها، حتى وإن فتحت جراحا وزادتها قراحا.
فقد تظهر بعكس حقيقتها، وتُتَّهم بالسوء رغم طهر سريرتها. وصفاء نيتها، وبالرغم من تضحياتها إلا أنها تبدو أمام من تفتديهم بروحها، وتُؤثرهم على نفسها بصورة الحاكمة المستبدة، واللائمة بكل شِدَّة، والزاجرة بكل حِدَّة، وتتمسك برأيها إن كان لها هدفا، وإن عَمِي من حولها عن رؤيته، فلا تتنازل ولا تتناقش ولا تتفاوض، فإن حاربوها فهي على حربهم لا تعارض.
وهو ليس تنفيرا كما يبدو لهم ، أو كما يشعرون، وليس عقابا كما يظنون، ولا هو عنادا كما يفكرون، ولكنه في الحقيقة حِرصٌ عليهم ، وإن كانوا لا يدركون.
ونراها مستعدة لِتَحمُّل نظراتهم، والصبر على تَقَلُّباتهم، والتجاوز عن تلميحاتهم، وحتى تصريحاتهم، على أمل أن تتحقق الغايات، وتدرك الأمنيات، وتُبَّرأ الساحات، وتصل بكفاحها لأجمل النهايات.
فها هو الطبيب يغرس مشرطه في جسد مريضه، فيسيل على يديه دمه، وقد يؤذيه ويؤلمه، ولا تجد من يلومه، أو يوقفه، بل هناك الكثير حوله يساعدوه، وإن انتهى قد يشكروه، وفي بعض الأحيان نراه يعبث بجسد مريضه لساعات، ويعرضه للكثير من الجراحات. ويستغل ضعفه أمامه وهو مخدربلا حراك، فلا يوفر سكينا ولا مشرطا، ولا مِقَصَّاولا مِخْيَطَا، وقد يلجأ للمنشار، وسيخ ومسمار، فيفعل كما يفعل النجار، ثم يستر أفعاله بالشاش ، ويلف جراحه بالقماش، والكل يهتف حوله : " عاش الطبيب عاش " .
وهناك الحداد ، يذيب الحديد بالتنور ، حتى نراه من شدة غليانه يكاد يفور ، ثم يطرقه بلا فتور، ويحرقه بالنيران حتى يصير جمرا ، ثم يطرق ويعود ليحرق ، ويشد ويسحب ، وإن برد يعود ليلهب، ونحن ندعو الله أن يحميه ،وإن انتهى وأنجز فالكل يحييه.
وهذا النجار يهجم على أخشابه بالمنشار، وينفرد بأبوابه ضربا وطرقا وحفرا ، ويربطها بحديد ويشدها بمسمار، وإن لزم الأمر وأراد الإصلاح نراه يقص ويبرد، ويشد ويفرد ، ويغير في أشكالها ويجدد، ويعد مساميره فيها ويجرد، ونراه على أفعاله يُشْكَر ويُحْمد، وعلى يديه الكل يشدد.
أهو مسموح لهم ، وممنوع عليها.
أَكُلُّ هذه القسوة مباحة، وهي الوحيدة التي نرى قسوتها مرفوضة ومستباحة.
هم يغعلون ويفعلون ونكافئهم بالمال، وهي تفعل ما تفعل دون مقابل، ومع ذلك فالكل عليها بانتقاده ينهال. ولا يخلو حديثهم عنها من القيل والقال، بالرغم من أن أفعالها لا توزن بالمال، وأهدافها أسمى وأصدق من أن توصف أو تُنال.
لم لانتقبل قسوتها التي ظهرت فأخفت رحمتها.
ولم لا نبرر تصرفاتها التي اشتدت فتوارت خلفها نيتها.
ولم لا نلتمس لها الأعذار، فيما شوّه بأعيننا جمال حقيقتها.
فلنتجاهل الظاهر ونتعمق بالباطن.
ونحاول أن نزين الشكل الملموس برونق المضمون المحسوس، فنحن حين نتبين حقيقة الأمر وندركه تتضح سلامة الفكر فلا نعد نشككه.
هي الأم،وما أدراك ما الأم .
ننهال عليها لوما، وهي لا تتوقف عن التفكير فينا يوما.
ما أغلى الأشياء عندما نعطيها، وما أرخصها عندما تعطينا.
نتركها وحيدة عندما تحتاجنا، وعند حاجتنا لا تفلت أيادينا.
نغضبها فترضينا، نهجرها فتأتينا، نحرمها وتعطينا.
إلى متى سنظلمها، وهيهات هيهات أن تعادينا.
بل إنها دوما ستنصفنا، ومن قلبها ستدعو الله يهدينا.
لعل الله يسمعها، فلا نترك شياطيننا حتى يعبثوا فينا.
وإن لم نهتدي يوما فقد تبت أيادينا، وتُهْنا في دياجينا .
بواسطة : إيمان حماد الحماد
 0  0