×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
إيمان حماد الحماد

( مواطن الخطر في اختراقات الهكر )
إيمان حماد الحماد

أصبحنا نسمع كثيراً عن الهكر واختراقاتهم ، وبدأنا نلاحظ تشعب طرقهم وكثرة عصاباتهم ، وبتنا نعرف الكثير من وسائلهم واحتيالاتهم ، وانكشف القناع عن الكثير من أساليبهم وحواراتهم التي يستدرجون بها ضحاياهم ، ويُحصِّلون بها غنائمهم ، ويجمعون بها أرباحهم من أرزاق غيرهم .
وهم يدركون تماماً أنهم بذلك يسلبونهم رزقهم وقوت أبنائهم ، ويحرمونهم لذة التنعم بثمرة تعبهم أو القدرة على القيام بواجباتهم ، ويعطلونهم عن قضاء مصالحهم ، أو تأمين احتياجاتهم ، أو قضاء ديونهم أو سداد مستحقاتهم ، وليس ذلك فقط ، ولكنهم في معظم الأحيان يحملونهم ديوناً فوق ديونهم ، فيضاعفون كرباتهم ويُحْكِمُون الخناق عليهم فيزيدون ضيقهم ، ويسدون الطرق أمامهم ، وهناك الكثير ممن تكون خساراتهم أكبر من قدرتهم على التحمل أو الاستيعاب ، فتتسبب لهم بسكتات قلبية ، أو جلطات دماغية ، أو شلل أو جنون ، وقد يفارقون الحياة حتى قبل أن يرفعوا شكواهم أو يحصوا خسائرهم أو يعرفوا خصمهم .
وهنا يتحول الهكر من لصوص إلى قتلة ، وتتحول القضايا من نصب واحتيال لقتل واغتيال .
فمن هم هؤلاء الهكر ، الذين استطاعوا أن يخترقوا عقول ضحاياهم قبل اختراقهم لحساباتهم ، وأفقدوهم القدرة على التفكير قبل أن يفقدوهم أحقية التصرف بأموالهم وممتلكاتهم .
هم مجموعة من العصابات المنتشرة حول العالم ، والتي تضم عدداً من الأنجاس من مختلف الأجناس ، لديهم مهارات عالية في التقنية ، وهم على إلمام واسع بدهاليزها ، وعلى معرفة تامة بنقاط ضعفها وقوتها ، وساعدهم على اتساع نفوذهم ، وتجاوز حدودهم إدراكهم أن حياتنا أصبحت مرهونة بتلك المواقع ، وأرزاقنا أصبحت حبيسة بتلك الصفحات ، وما يحرسها ويحميها سوى عدد من الحروف والأرقام ، ولا يفك حبسها ويحررها سوى الأكواد التي قيدتنا وقيدتها بلا أصفاد ، والتي أصبح من السهل عليهم الحصول عليها بطريقة أو بأخرى ، ولن يعجزهم ذلك مع تلك المهارات التي لديهم ، فأصبحوا هم مالكينا بها بالأحرى .
وهو المدخل الذي فتحوه أمامهم ، وأغلقوه أمامنا ، وكأنهم بتلك السياسة ملكوهم زمامنا ، فوصلنا للوقت الذي يتعب به المرء ويشقى ليجمع المال لهم ، ويعجز عن التصرف بماله لأن المفتاح الرقمي أصبح معهم ، وهو لا يميز بين صاحب حق وناهب رزق ، وما يعنيه فقط عدة أرقام للولوج ، وأكواد للنفاذ ..
وبما أنهم تجردوا من الإنسانية ، ولا يعرفون معنى الرحمة ، فلن يّشَكِّلَ لديهم أدنى فارقاً إن كانت تلك الأموال مخصصة لعلاجٍ ، أو كانت ادرخاراً لزواج ، أو سدادا لديون ، أو لتوفير الضرورات من طعام وشراب ، ومسكن وملبس ، أو لتربية الأبناء ، ونسوا ما بات بكل ذلك من صعوبة وعناء ، ليس فقط على الفقراء بل وحتى على الأغنياء ، مع ما فُرِض علينا من ضرائب وما نواجهه من غلاء .
حتى وإن لم يكن لكل ذلك عندهم اعتبار ، ونحن لسنا بحاجة لتقديم تبريرات وأعذار ، لنؤكد حقنا في الاحتفاظ بتلك الأموال ، فهي حقنا بالأصل ، وإن لم يكن لنا بها حاجة ، ومن حقنا التصرف بها حتى وإن صرفناها على الكماليات ، واللهو واللعب وباقي الثانويات ، ولن يكون تمادياً إن قلت أنها من حقنا حتى وإن بددناها في الحرام وصرفناها في المحظورات ، فهناك رب سيحاسبنا عليها ويسألنا عن أوجه كسبها وطرق صرفها ، وليس الهكر وكيلا علينا ، وليس من حقهم محاسبتنا فضلا عن سلبنا .
فأين حقوق الإنسان منهم ، وأين الأمن والأمان معهم ، وأنَّى لنا أن نشعر بالاستقرار بينهم ، فقد عاثوا بالديار ، وهتكوا الستار ، واستحلوا لأنفسهم لأموالنا الاحتكار ، ودخلوا علينا من أبواب متفرقة ، وهجموا علينا بأساليب مختلفة ...
فمنهم من استغل ظروف البعض واحتياجاتهم فأوهموهم بقدرتهم على العون ، حتى تمكنوا من الولوج إليهم لينهبوهم .
ومنهم من استغل سذاجة البعض وتلقائيتهم وصفاء نيتهم ، فأوهموهم بسلطتهم ، حتى استخرجوا منهم مفاتيحهم ليحتلوهم .
ومنهم من استغل الأمراض فظهروا أمامنا كالأطباء ، ومنهم من استغل الأعراض وكأنهم لسترها غطاء ، وبكشفهم لها عراء .. ، وليس لنا أن نرفض ، وما عليها عزاء ، وهم على كل ذلك قادرين وبلا عناء ..
لديهم خطط محكمة ، وأفكار ملهمة ، وأساليب مقنعة ، وكأنهم يدرسون الضحية قبل الهجوم ، ويتحرون عنها ليحددوا مدخلها. ويستغلوا حاجتها ، ويختاروا الأسلوب الذي ينفع معها أو يليق بها ..
وليس كل ضحاياهم من الأغبياء ، ولا بهتمون إن كانوا فقراء أو أغنياء ، فلديهم القدرة على الكسب من ورائهم ، إن لم يجدوا المال ، تصرفوا في الحال ، واشتروا بأسمائنا ، واشتركوا بأرقامنا ، وتنعموا على حسابنا ...
وكم من قوي ضعف أمامهم ، وكم من حريص سقط بأنيابهم ، وكأنهم يمارسون علينا طقوساً من السحر والشعوذة ، أو أنه نوع من التنويم المغناطيسي كما وصفه بعض ضحاياهم حين قال : لا أعلم كيف أعطيتهم ما أرادوا وأنا مقتنع بأنه خطأ. فهي طرق تعلموها ، وأساليب أتقنوها ، وحجج أقنعونا بها ، ومهارة طبقوها علينا لنستسلم لهم ، ونطيعهم ، ونجيب على أسئلتهم ..
فلا نفيق من تأثيرهم ،ولا نصحوا من تخديرهم إلا وقد نهبونا ، وحملونا من الديون ما لا نطيق ..
فيغادرونا ليبحثوا عن غيرنا ..
فلا هم شبعوا منّا ، ولا تركوا لنا ما يشبعنا .
وزادهم جرأة علينا علمهم أنه لا يوجد نظام قادر على كشفهم ، ولا يوجد سلطة ستكسر شوكتهم ، ولم يوجد بعد ما يمنعهم أو يوقفهم ويحد من شرهم .
فها هي قضايا النصب والاحتيال في ازدياد ،وها هم ضحاياها يملؤون أروقة المحاكم أو أسِرّة المستشفيات ، أو حتى القبور ..
وها هي أموالنا بين أيديهم ونحن لها مجرد محطة للعبور ...
وهاهي أصواتنا ترتفع لتصل عنان السماء ، صراخ مقهور ، ودعاء مظلوم ، ونداء مهموم ، وابتلاءات وديون ..
وما من مجيب ، وما من معين ، وما من منصف ..
ضاعت الحقوق ، وضاع الأمن .
وتعالت الأصوات ، ولكنها ترتد إليها ..
فقد بات بينها وبين المنصفين حجاب ، وأُغلِقَت بين المظلومين وبين من يعيد حقوقهم الأبواب ، وقويت شوكة الناهبين لنا وتمكنوا منا حتى قضوا منا حاجاتهم ، وحققوا من خلالنا رغباتهم ، وبتنا مسؤولين عن مصروفاتهم ، ومعاقبين على تصرفاتهم ..
فهم لهم مكرهم ودهاؤهم واحتيالهم .
ولكن من لنا نحن لنرد كيدهم إلى نحورهم ونكسر شوكتهم ونبطل خططهم ، ونغلق مداخلهم ، ليعود لنا أمننا واستقرارنا ، ونستطيع أن ننعم بأموالنا ..
وبما أننا أُجْبِرنا على وضعها بالمصارف ، ولا نصل لها إلا بشق الأنفس ..
فليكن هناك ما يضمن لنا حقنا فيها ، ويحافظ لنا عليها من كل طارق ومارق ، ويعوضنا عنها إن نُهِبَت ،ويردها لنا إن ضاعت ...
فها هي ذئاب التهكير في ديارنا قد عاثت ، وصالت بيننا وجالت ، ولم تجد من يردعها أو يقطع يدها التي علينا طالت ، فقتلت أحلامنا وبددت آمالنا حتى أنها أمام أعيننا تداعت ... .
بواسطة : إيمان حماد الحماد
 0  0