×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

البيئة والقدوة
عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون

image



للبيئة الصالحة شأن عظيم في الإصلاح واكتساب العادات الحسنة ونبذ السيئة، وأثرها على الفرد واضح جلي في نقل خلق الجماعة إليه.
بل إن استحسان الأشياء واستقباحها في بعض المجتمعات هو انعكاس لطبيعة البيئة وتقدير الجماعة لهذه الأشياء، ومع الممارسة اليومية أو المتكررة، ينصبغ بها الفرد حتى تغدو عادات ثابتة لها في النفس تأصل.
والتقليد يبدأ بالمرء من سني الطفولة ويستمر معه، فكم من تصرف باطل شاع بين الناس بسبب التقليد لعادات لا تستقيم مع الخلق السوي، يدفع إليها رؤية من يقتدي بهم يفعلونها.
فوجود القدوة الحسنة متمثلة في أشخاص يختلطون بالناس ويعايشونهم في معاملاتهم وأحاسيسهم وشجونهم، يولد الارتياح النفسي لإمكانية الارتقاء إلى مستوى هذه القدوة، بتطويع الخصائص والصفات،
وظهور الشاب ناصحاً لأهل مجتمعه، محباً الخير لهم ويفعل ما ينفعهم، وإن تحمل في ذلك الجهد بكل أشكاله، له وقع كبير في نفوس من عرفه أو سمع عنه، وما أطيب وقعها في النفس حينما يقف ذلك الشاب كي يفسح الطريق لغيره، أو ينهض لمد العون، أو يعود مريضاً، أو يعين على النوائب، أو مؤثراً غيره على نفسه متألماً لآلامهم وساعياً لنجاتهم و إسعادهم، مظهراً بذلك صورة طيبة تعلق في الأذهان، مما له أثره المتعدي، فالمعاملة الحسنة مع الناس ترغب بصورة أكبر تأثيراً في ذلك الفعل الحسن والدعوة إليه، فيسقط الخبيث ويحل محله الطيب، وما أكثر مداخل القلوب لمن أراد الإصلاح لو تفكر، فبكلمات بسيطة وجهد قليل يفتح الله به مغاليق القلوب.
والقدوة في زماننا، الذي اختلطت فيه الأمور وتشابكت الأهواء والعادات، أن تكون مستقلاً بحركاتك وأعمالك عما تداخل في أفعال الناس من سوء، فتحرر نفسك مما ألزم الأخرون فيه أنفسهم من تبعات لا تصح، وهذا ما أسماه الجنيد البغدادي بعبارة (الحرية عما سوى الله)، فقال في ذلك: (لا يكون العبد عبداً حتى يكون عما سوى الله تعالى حراً).
فالعلم المكتسب لا نفع فيه كبير إذا لم يغير حال صاحبه، وما لم يتمثل به ويكون منهجاً لحياته، ويدعو الناس إليه بقوله وفعله وسمته.
كم من محاضرات حُضرت، وكتب قُرأت، وأشرطة سُمعت، لم يبق في الذهن منها إلا اليسير، ولكن تبقى المواقف الطيبة التي يقفها أهل الصلاح ماثلة أمام من يخالطونهم، ولعل موقفاً واحداً يترك من الأثر ما يغير مجرى حياة الانسان.
بواسطة : عبدالرحمن بن عبدالله اللعبون
 0  0