×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور زيد بن محمد الرماني

موائد اقتصادية !!
الدكتور زيد بن محمد الرماني

جاء في كتاب المواعظ والمجالس لابن الجوزي رحمه الله: يامن قد بلغ أربعين سنة، وكل عمره نوم وسنة يا متعباً في جمع المال بدنه، ثم لا يدري لمن قد خزنه اعلم أن هذه النفس الممتحنة إنها بكسبها مرتهنة ألا يعتبر المغرور بمن قد دفنه؟! كم رأى جباراً فارق مسكنه؟ وسكن مسكن مسكنة! يا راحلين بالإقامة، يا هالكين بالسلامة، أين من أخذ صفوها أنتم في كدره؟! أما وعظكم في سيره بسيره، أين من كان يخاف لباسه؟! أما تغوض القبر من لباسه، أين من كان على نسائه شديد الغيرة؟ أما رحل عنهن واخترن غيره، أين من كان يسري آمناً في سربه؟ أما قال للتلف خذه وسر به، أما عاقبة الألفة فرقة: أما زاد ذي المال إلى القبر خرقة، أعر سمعك الأصوات فلا تسمع إلا فلاناً مات، أجل بصرك في الفلوات فهل ترى إلا القبور الدارسات؟!!.
ويقول رحمه الله في موضع آخر من كتابه النفيس: عرضت سلعة العبودية في سوق البيع فبذلت الملائكة نقد ﴿وَنَحْنُ نُسَبِّحُ﴾ [البقرة: 30]، فقيل ما تؤثر سكة دراهمك، فإن عجب الضارب بسرعة الضرب أوجب طمساً في النقش، فقال آدم: ما عندي إلا فلوس إفلاس، نقشها ﴿رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا﴾ [الأعراف: 23] فقيل وهذا الذي ينفق علينا من خزانه الخاص، أنين المذنبين أحب إلينا من زجل المسبحين انظر إلى سبق محبته لهم قبل إيجادهم بقوله: ﴿يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ﴾ [المائدة: 54]هل قال هذا لملك مقرب أو مخلوق على جمال الصورة مركب، كلا إن هذا لأولاد آدم خصوصية ولهم بها على أمثالهم مزية فضلاً من الله عز وجل ونعمة وإحساناً بدأهم به ومنة عليهم ورحمة ما يحتاج أن تناظر الملائكة بالأنبياء.
ويقول ابن الجوزي رحمه الله في موضع ثالث: اسمع يا عبيد فلسه، يا عدو نفسه، تعانق الدنيا بعين الحرص عناق اللام للألف، متى تزل الدرهم من القلب؟ ويحك أتبحث عن حتفك وصلفك؟ وتجدع بسيفك مارن أنفك؟ ما أكرم نفسه قط من أهانها! فاحذرها فكل ما يجري عليك منها يا موثق الأقدام بقيد العوائق، فاتك السبق، فاجهد أن تكون له لا حق ، من طلب المعالي سهر الليالي ، لولا صبر المضمر على قلة العلف ما قيل سباق ما قدر سجاف ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ﴾ [ص: 44] على فتنة ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ [ص: 43] حتى جرت في أمانة ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً﴾ [ص: 44]، من لم تبك الدنيا عليه لم تضحك الأخرى له.
قال جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنهما: خرجت مع علي رضي الله عنه إلى خارج المدينة، فتفكرت في أحوال الدنيا وغرورها وفتنها لنا، فقال: يا جابر إن الدنيا أحقر من أن يفتتن بها لبيب، ياجابر إن لذاتها في ستة أشياء، مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح، ومشموم، ومسموع.
فأما المأكول: فألين ما يؤكل العسل وهو رجيع ذبابة، وأما المشروب: فألذ ما يشرب الماء وقد تساوى فيه جميع الحيوانات، وأما الملبوس: فأفخر ما يلبس الحرير ومخرجه من دودة، وأما المنكوح: فمبال في مبال، وأما المشموم: فأطيبه المسك وهو دم دابة، وأما المسموع: فألذ ما يسمع الوتر وهو إثم كله.
ويقول ابن الجوزي رحمه الله في موضع رابع:
يا أخي لقد ربح القوم وأنت نائم، وكسبوا ورجعوا بالغنائم، ياهذا ما الذي يغني عنك وقوفك بالمحراب وقلبك من التقوى عال، يامن هتك ستر المحارم وتعظيم الجرائم، أمستيقظ أنت أم نائم؟!
يا هذا كيف جفت منك المقل والأجفان مع فراق الأحباب والخلان، ما أكثر شغلك بآفاتك عن ذكر وفاتك، ويحك متى تستوحش من معاشرة الخلق متى تستأنس بمناجاة الحق، لا يطمعن البطال في منال الأبطال.
من زرع حصد ومن جد وجد، أي مطلوب ينال من غير مشقة؟ وأي مرغوب لم يتعد على طالبه الشقة؟ الملك لا يحصل إلا بالتعب؟ والعلم لا يدرك إلا بالطلب؟ واسم الجواد لا يناله بخيل؟ ولقب الشجاع بعد تعب طويل.
يا أرباب القلوب السائقة لا تيأسوا من روح الله؟ يا أهل الخوف من عواقب الذنوب طيبوا قلوبكم ﴿إنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ [الأنعام: 54].
قال أحدهم:
أطاعوا ذا الخداع وصدقوه وكم نصح النصيح فكذبوه
ولم يرضوا بما سكنوا مشيداً إلى أن فضضوه وأذهبوه
ألضوا بالقبيح وتابعوه ولو أمروا به لتجنبوه
نهاهم عن طلاب المال زهد ونادى الحرص ويلكم اطلبوه
ياجامع المال لغيره، إلى متى تحرص على الدنيا وتنسى القدر؟ من ذا الذي طلب مالم يقدر فقدر؟ تأمل أهل القصور والممالك ثم عد بالنظر في حالك، لعل ينجلي القلب الحالك، إن لذات الدنيا لفواتك وإن موج بلبالها المتدارك، كم حج لعينها قاصد فقتلته قبل المناسك! خلها واطلب خلة ذات سور فأدائك، والله ما طيب العيش إلا هنالك.





أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي وعضو هيئة التدريس
بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

للتواصل : zrommany3@gmail.com
بواسطة : الدكتور زيد بن محمد الرماني
 0  0