×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قرأت في كتاب " يتيمة الدهر " لأبي منصور الثعالبي

قرأت في كتاب " يتيمة الدهر " لأبي منصور الثعالبي
 كتابنا لهذا الأسبوع يعتبر كنزاً من كنوز المكتبة العريية الأصيلة ، وعموداً من دعائمها في مجال اللغة والأدب .
وهو كتاب " يتيمة الدهر " ولا شك في أن سبب تسميته بذلك من وجهة نظري أنه كان وحيداً متفرداً في مجاله ، ولم ينتج في ذاك الزمان ما يساويه قيمة ، وما يجاريه مكانة بين الكتب ، وظل متفرداً ومتميزاً بتلك المنزلة دهراً ، بل دهوراً ، وخير شاهد على ذلك أنه وحتى عصرنا هذا ما زال يعتبر من أوائل المراجع التي يبحث عنها دارس اللغة ومحبُّ الأدب ، والباحث عن الدرر من كلام العرب ، بالرغم من كثرة المؤلفات التي جاءت بعده ، والتي سارت على نهجه .
وصاحبه هو الكاتب الكبير ، والأديب الجدير ، والذي اعترف بفضله ومكانته ، وقدرته وبلاغته ، وموهبته وإمكاناته كبار الكتاب، وحفظ حقه أعلام المؤرخين في كتبهم وإصداراتهم ، فمثله نجمٌّ لا يخفت ضوءه ، وقمرٌّ لا يخبأ نوره ، وعَلَمٌّ لا يخفى دوره ، هو " أبو منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري " .
له العديد من الكتب والمؤلفات التي أثرت المكتبة العربية ، وهي تربو على الثمانين كتاباً ، واعترافاً بمكانتها في التراث العربي ، والنتاج الأدبي ، فقد وضع لها الكاتب عبد الفتاح محمد فهرساً بأسمائها ومواضيعها وأماكن وجودها ، وكان هذا الكتاب أنفسها .
قضى الكاتب في رصد محتواه ، وجمع مضمونه ، سنين من شبابه ، وعقوداً من حياته ، حيث بدأت فكرته وهو في سن مبكرة عام ٣٨٤ هجري ، حيث كان عمر الكاتب آنذاك ٣٤ عاماً ، ولم ينتهِ منه إلا عام ١٤٠٣ هجري .
كان الكتاب في البداية مقسماً إلى أربعة أجزاء ، ولكنه أضاف له بعد مدة الجزء الخامس والذي يعتبر بمثابة تتمات لما جاء في الأجزاء الأربعة .
ويعتبر كتاب اليتيمة من أكثر الكتب شهرة وتداولاً ، فقد قدم فيه الكاتب ترجمة وافية لكثير من الشعراء المعاصرين له أو السابقين لزمنه بقليل ، وهي تجرمة من نوع خاص ، ولها طابع منفرد عما عرفناه في كتب الطبقات ، لأن كاتبه اعتمد في جمعه وترتيبه على وضع كل جماعة من الشعراء والأدباء حسب بلدهم أو إقليمهم أو البلاط الذي سلكهم في عداده ، ومن ذلك شعراء الشام ، وشعراء مصر من حيث الأقاليم ، وشعراء دولة بني حمدان ، وبلاط سيف الدولة في حلب ، وبني بويه في بغداد وأصبهان .
وكانت غاية الكتاب هي خدمة اللغة العربية التي هي لغة القرآن الكريم ، عن طريق الشعر الذي يرى فيه فضلاً وعلماً وتقدم مكانة ، والكاتب لم يقتصر فيه على الترجمة المحضة والاستشهاد بالنصوص الشعرية ، بل نراه يورد آراءً نقدية قيّمة ، وتعليلات أدبية ممتعة تنم عن ذوق أدبي رفيع ، كما يعمد في كثير من الأحيان إلى المقارنة والموازنة بين من يترجم له وبين غيره من الشعراء في الفن الشعري الذي برع فيه ، ويكشف بلياقة وكياسة عن مدى تأثر الشاعر بغيره من السابقين والمعاصرين ، ويتعقب بحس أدبي وذوق مرهف صوره معانيه ، فيشهد له بما قدّم من توليدات مبتكرة وجديدة ، ويرشد إلى ما كان فيه تابعاً ومقلداً ، وفي بعض المواضع نراه يصوّب المعنى ويشير إلى الاستعمال السليم .
وبعد كل ذلك يمكننا أن نقول إن اليتيمة كتاب هام لا غنى عنه لكل من يتعلم الأدب ويسلك دروبه ، لأنه يعرفنا بالنقلة التي وصل إليها الشعر في عصره ، سواء من حيث النوعية أو الكميّة ، فضلاً عن تقديمه ترجمة وافية لكثير من شعراء العربية الذين لولا الجهد المشكور الذي بذله أبو منصور ، لظلّ أكثرهم في عالم المجهول وضاعوا في طي النسيان .
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد