×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قضايا اجتماعية.. الجزء السادس "قضية العقوق"

قضايا اجتماعية.. الجزء السادس "قضية العقوق"
 عقوق الوالدين ، والتقصير في حقوقهما ، والتعامل معهما بقسوة ، وعدم الاهتمام بهما ، والتأخير في تلبية احتياجاتهما ، واستثارتهما بفعل ما يغضبهما ، وتركهما لفترات طويلة بمفردهما ، كل هذه من مظاهر العقوق التي أصبحنا نراها بكثرة بين الأسر ، وما تزال بازدياد واضح ، وتظهر بشكل فاضح ، حتى توارت صور البر واختفت فيها الملامح ، فلم يعد لدى الأبناء حرص على إرضاء والديهم ، أو تعويضهم ، وكأن ما كان منهم واجبا لا يفترض بهم تعويضه ، وأن ما قدموه دينا لا يلزمهم سداده ، فاستوفوا منهم حقوقهم ولم يؤدوا لهم واجباتهم ، وأخذوا منهم مالهم ، ولم يقدموا لهم ما عليهم ، حتى أصبحت الأنانية شعارهم ، وحب الذات من أبرز سماتهم ، وكل ذلك ظهر بالوقت الذي كان ينبغي عليهم فيه التفكير بمن كانوا سبباً في وجودهم ، بل وتقديمهم على أنفسهم وأولادهم .
وخصوصا إن خلا البيت عليهما بعد أن كان ممتلئا بهم ، وكانوا منشغلين بأعمالهم وعلاقاتهم ، ومستغنين بأنفسهم عن الآخرين ، ولم يكونوا بحاجة لمن يقضي عنهم أمورهم ، أو يلبي لهم احتياجاتهم ، أو يحقق لهم رغباتهم ...
فلما تقدم بهم العمر ، وبدا عليهم الضعف ، وظهر فيهم الخرف ، وتمكن منهم المرض ، ومات عنهم الصديق ، وغادرهم القريب ، وفارقهم كل حبيب ، فلم يعد لديهم من يسامرهم ، أو يحادثهم ، أو يفكر بهم ، فتضاعفت حاجتهم لنا ، وجاء الوقت الذي يظهر به عقوقنا أو بِرّنا ، ويتحدد فيه خيرنا من شرنا ، وأصبحوا يتوقعون منا الأفضل ، ويبحثون فينا عمَّن يهتم بهم أو عن شؤونهم يسأل ، وباتوا بحاجة لمن يتفقد أحوالهم ، وبكل بشاشة عليهم يُقبل ، فصُدموا بخيبة الأمل لما لم يجدوا من يفعل ، ولم يسعدوا بأبنائهم كما كان الأمل ، ولم يلعبوا مع أحفادهم ولم تعطَ لهم الفرصة ليبادلوهم الأحضان أو القُبل ، فزادوهم بؤساً على بؤسهم ، لما حرموهم من أبسط حقوقهم ، ومنعوهم من جني ثمار تعبهم في تربية أبنائهم ، وأغلقوا الأبواب أمامهم في تحقيق أحلامهم ، أو الشعور بالراحة في أواخر أيامهم ، فملؤوا دور الرعاية بهم ، لمّا ضاقت عن آبائهم منازلهم ، فزرعوا ولكنهم لم يحصدوا ، وتعبوا ولم نعطهم الحق بأن يرتاحوا ، وحلموا وتخيلوا ولم نحقق لهم ما به أمَلُّوا ، فأي عقوق أكبر من ذلك ؟؟ وأي جُرم ارتكبوه ليكون رَدُّنا عليهم كذلك ؟؟ ، أَنَسِي هؤلاء الأبناء أنهم في يوم من الأيام سيكونون مكانهم ؟ وسيحتاجون فيه لأبنائهم ؟ ألم يفكروا بأن أبناءهم سيعاملوهم بما رأوه منهم مع أجدادهم ، وأنهم سيقلدونهم بسائر أفعالهم ؟
أما آن الأوان لكل عاق أن يصحو ، وأن يراجع نفسه في أفعاله قبل أن يفقد والديه ، فيجعله الندم بعدها على ركبتيه يجثو ، ويزداد بؤسه كلما شعر أنه من أَجَلِه يدنو ، فيأكل مما أطعمهم ، ويُسْقى مما أسقاهم ، ويلقى المصير الذي أعطاهم ، فلا ينفعه ولد ، ولا يسعه بلد ، ولا يرفعه عمد ، ولم يبق على أن يحصد ما بذر إلا أن يواريه اللحد ، أو أن يعجل الله في عقوبته في الدنيا ، فلا يبارك له في مال ، ولا يسعده في أي حال ، وتتكالب على ظهره الهموم فتغدو وكأنها أثقال ، لأنه لم يلتزم بما أُمِرَ به في سورة لقمان ، ونَسِيَ أنه كما يدين يدان .
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد