×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قضايا اجتماعية.. الجزء التاسع قضية "المفهوم الخاطئ للحرية"

قضايا اجتماعية.. الجزء التاسع قضية "المفهوم الخاطئ للحرية"
 نعيش نحن الان في نقلة حضارية واقتصادية وثقافية وفكرية واجتماعية كبيرة ، وواضحة على الصعيد المحلي والخارجي على حد سواء ، وقد اعترف بها الجميع بلا استثناء ، وتأثر بها المواطنون ولم يُحرَم من أثرها الغرباء ..
وهي وإن كانت دليلا على التطور وسبيلا لمواكبة ركب الحضارة ، إلا أنها أصبحت وللأسف مدخلا للكثير من التجاوزات ، ومبررا للعديد من التصرفات ...
فقد ظهر لنا مجتمعنا بثوب جديد لم نعهده ، وعهد فريد لم نتعوده ، فاتسع نطاقه ، وتوسعت دائرته ، وتضاعفت إمكاناته ، وانطلقت بكل مكان قدراته ، وتسارعت خطواته ، ولم يتمكن الكثيرون من مجاراته ، أو تقبل الجديد في إحداثاته ...
لذا نجد أن معظم المؤيدين لهذا التغيير ، والمناهضين له هم من فئة الشباب اللذين لم يتمسكوا جيداً بسابق عاداته ، ولم يتعلقوا حقيقةً بموروثاته ، ولم يرتبطوا بقوة في تراثه و القديم من ثقافاته ، وهم أنفسهم من أعجبهم الغرب في أسلوب حياته ، وتسابقوا في تطبيق فرضياته ، ونادوا بأعالي صوتهم في مجاراته ، فقد كان كل شخص منهم يفر إليه في إجازاته ، ويختاره ليقضي به أجمل أوقاته ، وجعله مكانا له لتفريغ طاقاته ، وإشباع شهواته .
فلما أعطاهم مجتمعهم ما كانوا يبحثون عنه ، ووفر لهم من الحرية ما كانوا يطالبون به ، وأزال الكثير من القيود التي كانت تنفرهم منه ( على حد تعبيرهم ) ، وسمح لهم بأمور كانوا يفتقودنها به ( حسب تبريرهم ) ، نراهم الان وقد انطلقوا حتى لم يعد أحد قادر على رَدِّهم ، ونطقوا فلم يعد هناك مجال لإسكاتهم ، وتفرقوا في الطرقات فلم نعد نقوى جمعهم ، واجتمعوا في المنكرات فليس لنا ردعهم ، وكأنهم يريدون أن يثأروا من مجتمعهم بعد أن أطلق سراحهم من سجنه كما وصفوه بناء على فهمهم ، ونراهم يرغبون بالانتقام ممن حرمهم حريتهم كما كانوا يروه بقصور نظرهم وجهلهم ، فعاثوا به فسادا ، وجلبوا عادات الغرب إليه وأسقطوها عليه تكبرا و عنادا ، فلم يأخذوا من الحرية التي مُنِحوها إلا القشور ، ولم يستفيدوا من تطبيقها إلا بتوافه الأمور ، فهم وإن سُمِح لهم بتجاوز حدود كانت تعزهم في الحقيقة ، نجدهم أصبحوا عبيدا لحرية قيدتهم بشهواتهم التي تذلهم وتحرقهم في نيران صديقة ، وتقتلهم مئة مرة في الدقيقة ، فاختلط الحابل بالنابل ، وتاه دابر بقابل ، ولم يعد هناك ما يردعهم ولكننا ما زلنا نحاول ..
فليست الحرية أن نتجاوز حدود شرعنا ، ونفعل ما يغضب ربنا ، وليست الحقوق التي عادت بمبرر لمظاهر الفسوق التي سادت ، وليس اختلافنا مع آبائنا في فهمها بكافٍ لصور العقوق التي زادت حتى تمادت ، وليست الطرق التي فُتِحت أمامنا بمنافذ للعبور إلى النار التي لأجسادهم نادت ، وليس التطور الذي طمحنا به ووصلنا إليه بمسؤول عن العقول التي جارت ، والقلوب التي تاهت ، والنفوس التي لرغباتها مالت وعلى إرضائها استماتت حتى على أيدي أصحابها ماتت .
فأفيقوا من سباتكم ، وانهضوا من رقادكم ، وانفضوا عن أنفسكم ثياب الغرب الذي قادكم ، واتركوا عنكم عنادكم ، ولا تكونوا سببا في ضياع أبنائكم ، بل وحتى أحفادكم ، وخذوا من الحرية ما يساعدكم على إثبات ذاتكم ، وتحقيق أحلامكم ، فقودوا أنفسكم ولا تتركوا القيادة لرغباتكم ، اجمعوا بين قوة القيم التي ترثون و ثباتها ، وقدرة الهمم التي تملكون و هباتها ، واصنعوا من المزيج بينهما سلاح لا يقوى غادر على صده ، ولا يسلم عدو من حدّه ، ولا ينعم به إلا من أحسن صيده ، وأعاد به لصدر العدو كيده .
عندها فقط سنقول بأننا للحرية أهل ، ونعترف أنه أصبح للتطور والحضارة علينا فضل ، وسينعم بها الشباب ولن يستاء منها الكهل ، ويرضى عنها جيلها والأهل ، ولن يكون هذا بالأمر السهل ، وسنحققه إن عزمنا وسنصل ( بإذن الله ) ، وإن كنا نسير على مهل ، والله المستعان من بعد ومن قبل .
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد