×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

رسالة إلى مجنون !
سديم العطوي

عزيزي : أعرف أنك لن تقرأ رسالتي هذه .. ولو قدر لها أن تصلك لقذفت بها في موقد عدم الاهتمام . لكني سأكتب إليك , بل سأكتب إلى نفسي وإلى كل الذين يصفونك بالجنون . فأنت تعرف حقيقة نفسك وحقيقة أولئك الذين يضحكون منك وتضحك منهم . ليتهم يعرفون معنى قهقهتك وأنت تسير وحيدا في عرض الشارع . فكل الأشياء تبدو في نظرك لا شيء . أنت وحدك من يستطيع أن يغوص في أعماق الأشياء التي تبدو لهم جميلة .. وكل هذا الجمال يفر من أمامك ليقول لك " مجنون " . لكنك وحدك من يعرف حقيقة الجنون .. وأنت وحدك من يصنع جمالا لا يخالف ظاهره باطنه .. فأنت إنسان الوجود الذي لا يكذب .. لأنك لن تخسر كما أخسر أنا وكل الذين يصنعون البريق المزيف . كل البشر في نظرك سواء .. وكلهم اتفقوا على أنك مجنون !.وحين أقترب منك أكاد أشك في نفسي .. لأني لا أدري من هو المجنون , وكذلك لا أدري من هو السعيد . تحدثني بقلب مفتوح وأنت لا تلتفت إلى الوراء كما أفعل أنا .. فأنت لا تعرف غير الحقيقة . أكاد أصيح بك أن أصمت .. فالدنيا لها آذان واسعة . لكنك أبدا لن تصمت وستظل تهدر . لقد ارتاحت نفسك من حيث تعبت نفسي .. فلكل سؤال عندك جواب .. وكل جواب يأتي كما يريد السؤال .. ولا شيء عندك يستر الحقيقة .. فأنت تقول " أعور " وأنا أقول " أبو عين كريمة " . هكذا علمني العقل .. وهكذا علمك الجنون أن لا تضفي على خلل الأشياء ما يستر عيوبها . وحين ينطلق لسانك تصمت أفواه العقلاء .. يريدونك أن تخترق كل الستائر .. فأنت لسان قلوبهم .. ألا تراهم يضحكون بملىء أشداقهم .. فأنت في نظرهم " مجنون " قد رفع عنك العتب والقلم .. تقول ما تشاء , وتفعل ما تشاء . في قولك حكمة , وفي فعلك براءة الإنسان .
ها أنذا أبحث عنك في كل حين لتقول لي ما لم أقله أنا ساعة خلوتي .. فأنا أكذب على نفسي , وعلى كل الأشياء من حولي . هكذا تعلمت لأصبح من زمرة العقلاء , وإذا بي أفر إليك من هذا العقل الذي أتعبني . أجلس معك حيث أنت وكما أنت , في حال تهزأ منها الدنيا : لباس رث وشعر كث ووجه شاحب يخيف النواظر . هكذا يراك الناس . لكني أرى فيك ما لا يراه أولئك الناس . فكم يطربني صوتك وأنت تعزف للدنيا لحن الجنون . أكاد أجري خلفك أردد معك أغنية الجنون . لكن لا زالت في رأسي بقية عقل تمنعني . يكفي أن أرى الأطفال وقد تحلقوا حولك .. سعدوا ببراءتك كما سعدت أنت ببراءتهم . وكم أتمنى أن يتعلموا منك لغة الجنون .. وكم أتمنى أن يقبل بك هذا الجمال فتتزوج لتنجب للدنيا عددا من المجانين . أكاد أشك في نفسي حين أتجاوز حدود عقلي .. فأنا أفعل أشياء لا تفعلها أنت .. ولا أدري ماذا تقول عني لو رأيتني . لا بد وأن أتوارى عنك .. فأنت الوحيد من البشر الذي أتمنى أن لا يراني .. لأنك سوف تفضحني .. فلا شيء يمنعك من البوح بما ترى .. حيث ذهبت مجاملتك للبشر مع ذهاب عقلك .. وأنت وحدك من لا يفكر في زجاجات العطر وعلب الماكياج .. وأنت الوحيد الذي لا يحتاج إلى مرآة .. وكل المرايا من حولك تصرخ في كل الوجوه .
هكذا أنت .. وهكذا الدنيا .. ولا أدري أيكما يهزأ من الآخر .
كم تبدو لي جميلا وأنت ترمي بجسدك على الرصيف في نومة هادئة لا تعبأ بصرقعة الدنيا . أكاد أقذف بجسدي بجوارك حيث أنت لكي أرتاح . أكاد أصرخ في أذنيك أن علمني كيف تنام على تلك الحال . لكنك أبدا لن تصحو .. ولن يوقظك صوت في الوجود غير صوت " الله أكبر " وإذا بك هناك تركع وتسجد بين جموع العقلاء من غير وضوء . هكذا علمك الجنون أن تأتي سليم القلب إلى مكان يدعو إلى طهارة الضمير .
قد يكون في وجودك هنا وهناك حكمة تجعلني أفهم أن للحياة معنى آخر .. لكني أبدا لن أكون مثلك ما دامت في رأسي بقية عقل تقودني نحو الشقاء في عالم يقوده عقلاء يرسمون له قوانين تضحك منها أنت .
والسلام
بواسطة : سديم العطوي
 6  0