×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

(غازي الدليمي).. قلمٌ يُحادث صفحاتنا !
سديم العطوي

من المعروف أن اللغة هي من قبل ومن بعد كائن حي يستجيب لظروف العمل ويتفاعل معه . فهناك علاقة وثيقة بين الكاتب والقلم بحراك أمواجه وارتطامها بصخور شواطئ الحياة وكأنها تأتي على عجل لتأخذ من هذا الإنسان الهاجع على شاطئه كل عذابه وشقائه وترمي بها في أعماقه في حركة دائبة يشعرُ فيها الكاتب أنه يرمي بأثقال نفسه وما عليها إلى الورق . إضافة إلى اتساع الأفق وامتداده وتداخل حمرة سطوره مع ألوان موضوعاته ...

الفصاحة محور المعاني والبيان ، وإليها مرجع الأبحاث والأبجديات ، لأنها الغاية التي يقف عندها المتكلم ، وهي صفة تكون في الكلام والكلمة والمتكلم ، فإذا كانت الكلمة سهلة اللفظ على اللسان وحلوة الوقع في السمع ورشيقة الفهم على الذهن ومأنوسة في الاستعمال كانت حسنة فصيحة ظاهرة عذبة وسهلة الفهم ..، وهذا ما نجده اليوم بل وبالأمس في أجمل مقالات وأعذب حروف الكاتب الأستاذ المتميز " غـازي الـدليمـــي " وكأنه يقول في مقال يكتبه أو ثقافة ما :
" حقاً رائعة هي لغتنا العربية وأبجدياتها ، ومهما شربنا من نبعها لا نرتـــــوي " إن العلاقة بين الكاتب " غازي الدليمي " والكلمة ، علاقة عتيقة جداً ، فهو مستودع ومكنون ما في أعماقه من طموحات وصروح يأمل بإعلانها ولكنها تظل حبيسة أدراج قريحته ، والكل يعرف وأنا أعرف أن علاج أي مريض يعتمد بشكل أساسي على الناحية النفسية كذلك الأمر مع هذا المبدع الجامح ، حيث أن صلة الترابط بينه وبين المفردة قوية جداً ، وأحياناً تكون بصخبها وقوتها كهمس البحر حينها تخرج الفكرة من عنق الزجاجة في مساحة كاتب يشع بالثقافة الحياتية والقرائية. فالمتأمل في ( قصة ) مقال " وماتت.. نبع النـدى "
والذي يتحدث فيه عن لحظات وفاة والدته رحمها الله يشعر بأن سطوره تتموج برفق وحنان مع مرور نسيم الصباح والمساء المشبع بتلك الرائحة المتميزة من الرضا ، فينتابه إحساس أن هذا المقال يربت على ظهره ليخفف عنه آلامه وعذابه وبعدد الشخوص المساعدة فيه ، فيملأ صدره بهوائه فتصفوا نفسه وتتجدد
ولله الحمد ثقته بخالقه سبحانه وتعالى.. أيضاً من روائع وتواضع كاتبنا الدليمي عندما يقول في إحدى مقالاته وبعيداً عن أرض الغرور :
" عزيزي القارئ ، عزيزي زميل الحرف .. سأخصص كـ ( خلوة فكر ) لك ولي فقط ، فلا تنزعج سأبذل جهدي كي أرضيك ، فصفحاتي هذه نتاج جاوز عقدين من الزمن ، ولم يبخل المداد والأوراق بأن تتلقاه بكل حب ".. أيضاً مما استوقفتني عباراته : " في أحيان كثيرة سأبقى ابتسم لأن ابتسامتي ، هي احتقار
لكل من جرحني ! "

وعن علاقته بالقارئ الموقر يسرد قائلاً : " القارئ لا يحتاج إلى معلم يضعه في صفوف التدريس ولا إلى ملاك يلحق به إلى السماء بعيداً عن الواقع والأرض ، القارئ يحتاج لمن يصل إليه ببساطة ويُعَبر عنه بلا تكُّلف ويأخذ بيده بدون أن يستعلي عليه بمصطلحات لُغوية رنَّانة ، ومثاليات جبّارة ، القارئ يحتاج إلى الصدق والبساطة ، إلى الوضوح وليس إلى مسح الجوخ باستمرار ، نحن كتُّاب ولسنا أئمة مساجد كي نمسك المنابر ونخطب في الناس بالموعظة ،
ولسنا بملائكة نعيش في السماء ونحلّق فوق رؤوس البشر" .

ويبدو واضحاً بأن ظهور غازي الدليمي قليلٌ جداً من الناحية الكتابية والأدبية ، ونعلم أيضاً أن هناك قلة فقط من استطاعت تجاوز هذا الظهور القليل وابدعت في كل حين ، بالرغم أنني ضد تكثيف الحضور الأدبي أو غيره وإن كان مدهشاً فالملل يتربص به غالباً ، قد تكون مزاجية الكتابة المؤرقة والمقلقة هي التي
يعاني منها الدليمي في حضوره عبر نوافذ المواقع الثقافية والصحف الإلكترونية !!

كثيرة هي المقالات التي قرأتها له ، فمنها ما أصاب جوانحي وعقلي ومنها ما كان بتقريرية الإعلامي ولا ألومه على ذلك على العكس فهذا هي طبائع الأمور فالنجاح ليس عادة يومية ، وليس هذا معناه إخفاقه .. يُقال بأن الحرمان يخلق روحاً جميلة ، واعتقد بأن هذا الأمر ينطبق على مبدعنا الدليمي ، فكم من المرات ذرفت دموعاً على مقال ( صفعة الدموع ) وأعجبت كثيراً بــ ( دعوة لأوراق الشجر ) و ( نُحب عندما نُحب ) وحتى في كلمته الرائعة لكتاب بالعربي الفصيح للكاتبة القطرية نورة المسيفري..

أبا ناصر أو غازي الدليمي كشف لي عن سمات الجمال في الكلام الرشيق الفصيح ، وإدراك أسرار الفن في الأدب الرفيع برغم عدم تخصصه أكاديمياً في مجال اللغة العربية ومشتقاتها ، إلاّ أن هذا التدفق جاء من وراء وجوه الحب للكلمة وشفافية إخلاصه للمفردة إضافة إلى دعائم خبرات عديدة في مجال التأليف
الدرامي وإعداد البرامج التليفزيونية . كل ما يجيده فقط الإبداع ، مؤجلاً البكاء على حياته وأوضاعه الراهنة ، ابنته لا تستطيع الالتحاق بالجامعة لندرة المال، وبيت يقطنون فيه بأسقفه التي تصنف كالصلابة " الهشة " ، فخارجه أكثر أماناً من داخله ..

في مراسلاتي له كشف لي عن حزن جديد أطاح به في حيرة فكر لا توصف فصاحب البيت الذي يسكن لديه هذا المبدع يقدم له مساومة غريبة من نوعها شنيعة في طرحها حيث يقول له: إذا لم تتمكن من دفع إيجار البيت بشكل منتظم ، فبإمكانك دون أسلوب ينعم بالترغيب والأدب البقاء مجاناً ولمدة
أربعة سنوات متتالية فقط مقابل زواجي من ابنتك ومصروف 500 ريالاً شهرياً.. كل هذا ويبقى ثمّة تساؤل: أيكفي الحزن للإبداع؟! هل يبدع من ينقصه المال للإعاشة فقط وتستوطن الفاقة أيامه ؟! ربما ولكن ، برأيي أن غازي الدليمي أفق واسع لا نهائي ، وجمله تظل أنسام عذبة لا تشابهها أنسام أجمل حديقة غناّء في عمق مفرداته عالم كامل يضج بالحياة كحياتنا على الأرض .. جمال موضوعاته في الحقيقة يكمن في التقائها بالأوراق كالتقاء الجائع الظمآن بالأم الرحيمة الرؤوم ، ولا تزال سفينتي تشق عُباب البحر لتلتقط الكلمات التي توفيه الحق ولا أظن تجدها ولا تزال الكلمات تتزاحم وتتصارع تريد أن تخبر عن ما في
مكنونها وعن ما يدور في مخيلتها ، حقيقةً تعجز الحروف أن تكتب ما يحمل قلبي من تقدير واحترام وأن تصف ما اختلج بملء فؤادي من ثناء واعجاب بهذا الرجل البارع ومن هذه الأرض الطيبة المباركة المملكة العربية السعودية ، فما أجمل أن يكون الإنسان شمعة تُنير دروب الحائرين لك مني أزكى التحايا وأنداها


لعثمة التفاصيل
أعمال للمبدع اختفت فجأة :
قصة( أكذوبة الدقائق الأخيرة )
قصة ( شموخ .. في زمن الإنهزام )
قصة ( ناصر ... والفرار )
( مع أنثــــى التوت )


الدكتـورة حنان بنت مقرن الــرويــــلـي
U4-u4@hotmail.com
بواسطة : سديم العطوي
 6  0