×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور مسعد العطوي

آداب الاختـلاف
الدكتور مسعد العطوي

الاختلاف الفكري، والأخلاقي، والاجتماعي من سنن الحياة منذ القدم، والاختلاف ضرورة للتطور، بل هو وسيلة التطور الثقافي، والحضاري عبر المسيرة البشرية، وهي وسيلة تمحيص الأفكار حتى تدفع إلى ظاهرة تجمع الخيار من جناحي الاختلاف، والاختلاف ثنائية؛ كالنور والظلام، والذكر والأنثى؛ والخير والشر.

والاختلاف في المعتقدات والقيم الأخلاقية ، فالتوحيد والكفر يتجادلان من خلال الاختلاف أو هما جوهر الخلاف حولهما حتى يتبين البرهان ، فيؤمن من يؤمن ويكفر من يكفر، والاختلاف في الأديان كشف عن اختلاف في الأديان الربانية في الشرائع وتوحد في المعتقدات: فالاختلاف يبرهن للإنسان ويمحص ويدفع الإحساس إلى الانفعال والمعرفة، ثم القناعة أو العمل.

والعوامل البشرية وتنافسها ورغباتها نقلت الاختلاف في الرأي بالجدل والحوار إلى الفرقة ، والابتعاد، والانتقام، والسيطرة ، فكانت الحروب والسفك ، والسلب.

إذن الاختلاف حالة وسطية توصل إلى الكمال والحق، فإذا تجاوزت الوسطية سميت الافتراق، فأخذت اتجاه الإفراط.

الاختلاف وجدله أوجد الفكر الفلسفي والخلاف حول الفلسفة ولد علم الانضباط والمنهج وهو علم المنطق، وعلم المنطق تولد فيه تكاثف المعرفة وتفرع منه العلوم وأنواعها، وما زال الاختلاف شعلة الفكر وينمي المعرفة.

الاختلاف أوجد النظريات والاختلاف حولها والجدل والحوار حتى كشف براهينها وأوصلها إلى تجارب وربما تجارب متباعدة وتنافسية كما في الطيران، والأسلحة المدمرة، والتقنية المعاصرة وما يزال، ولو زال الاختلاف لتعطلت الصناعات.
الاختلاف هو ضياء الحياة، إذا ابتعد عن الأهواء، والانفعال، وخلا من الرغبات المتعالية المتسلطة.
وأنت كما تقرأ التاريخ الإسلامي تجد اختلافين متفرقين أحدهما السلطوي، فأدي إلى الافتراق وتشطر الخلافة والحرب الضروس المتواصلة.
أما الاختلاف العلمي، والفقهي، والتأويلي، فإن الذين قادوه انفصلوا عن السياسة والسياسيين، والأهواء، فكان اختلافا بردا وسلاما وخيرا للأمة في قديمها وحديثها، ولم يؤدي إلى فرقة وصراع، بل إلى تحاب ووئام؛ وقاد الاختلاف الرباني أمنا عائشة رضي الله عنها وعبدالله بن عمر، وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، وتواصل العلماء الربانيون إلى اليوم، كذلك تواصل علماء السلطة والمال والجاه، وهم الذين يجمعون حولهم الأتباع ويفرضون الإتباع...
فكانت الطقوس المخالفة للدين والعقل، وتجميد الاختلاف الذي يؤدي إلى الكشف والبراهين.
نريد اختلافا راشدا يكشف الإسرار ويفتق الأفكار ويوصل إلى الحق والحكمة وتطور الحياة مثل جدل الفلاسفة سقراط، وأفلاطون، وارسطوطاليس؛ والجدل حول فكرهم أمتد قرونا وقرونا، ونجم عن تفريع العلوم ونظريات لها دورها، ولكن لا نريد جدلا يصل إلى مرحلة السفسطائيين الذين بالغوا حتى كان الهدف الانتصار أو الاستحواذ ومثله جدلنا حول قيادة السيارة، فكان حوار سنة يكفي عن حوار سنوات وأخشى أن يتجدد، فنحن فهمنا الحكم الشرعي وأدركنا إيجابياته وسلبياته وكفى.

من آداب الاختلاف:-

1 _ أن تكون النية خالصة لله، ثم لطلب العلم.
2 _ أن يكون حول موضوعا فقهيا أو فكريا أو قضية من القضايا.
3 _ أن يكون الخلاف لطلب البراهين ولتمحيص الفكرة والإقناع بها.
4 _ أن يكون الاختلاف حول الفكرة، ولا يتجاوزها للذاتية أو من أجل العنصرية.
5 _ أن لا يكون الاختلاف من أجل الاستفزاز.
6 _ أن لا يكون الاختلاف من أجل المماراة والتعالي أو التشفي.
7 _ أن لا يكون الخلاف حول فكرة تؤدي إلى الخلافات الذاتية بين المختلفين أي "الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية ".
8 _ تنمية الاختلاف والحوار في الأسرة والمجتمع مرحلة لتطوير الذات والمجتمع والأسرة ولتقارب الأفكار.
9 _ أن لا يحمل المجادل رأيا أوحدا لا يريد التنازل عنه، بل يحمل فكره قابلية التغيير.
10 _ أن يكون المجادل سهل الانقياد للأفضل، ولا يستعصى على فكرته أو رأيه، لا سيما في القضايا الشخصية، والخلافية بين الأقارب والمتعاملين.



الاختلاف تغيير العقول والسلوك إلى الأفضل، لكن القدرة إلى فتح الحوار واستدراج الآخر أمر من الصعوبة بمكان ، فليتنا نلجأ إلى التجارب والمعرفة إلى طريق الحوار والاختلاف المداخل له.
بواسطة : الدكتور مسعد العطوي
 8  0