×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
بدر جزاع العنزي

عندما يبكي كبير السن!
بدر جزاع العنزي

كنت برفقة والدي يرحمه الله في رحلة علاجية لأحدى الدول المجاورة,, استقليت سيارة الأجرة المتوقفة امام الصيدلية للعودة لوالدي في مقر اقامتنا,, كان السائق كبير السن ومن الواضح عليه امارات البؤس الغائر بين تجاعيد الوجه الحزين,, وكعادتهم سائقي الأجرة بالحوار,, من اين انت ولماذا اتيت؟ وبعد الإجابة تلقيت عدد آخر من الاسئلة الغريبة,, لماذا تأتي لعلاج والدك؟ ما هو سبب اهتمامك بصحة والدك؟ ثواني قليلة هي المهلة الممنوحة لي للإجابة ولكن احترت بماذا اجيب على هذا التساؤل الذي لا يخفى جوابه على احد!,, ايقنت وقتها ان هذه الكلمات ليست اسئلة تبحث عن اجابة بل هي مقدمة لشيء آخر,, إلتفت الي وعيونه تغرورق وهو على وشك الانفجار من البكاء وقال,, لماذا لا يأتي ابني ويعالجني؟.
توقف بجانب الطريق ودخل في حالة بكاء لا يمكنه القيادة معها,, أصبحت اسمع كلمات بصوت طفل يبكي بحرقة يبحث عن فقيد له لا يرجو عودته,, قبل ان ادخل معه في دوامة التفاصيل ومحاول التخفيف عليه واستحضار كامل الخبرات السابقة علها تجدي نفع بهذا الموقف,, قبل هذا كله بدأت بمسح الطريق بنظرات الوجل الخائف من مضاعفات صحية على هذا العجوز او الفهم الخاطئ من المارة لحقيقة الموقف المحرج الذي قد ينتهي الى استدعاء الامن على اقل الاحوال.
انتابتني الفرحة عندما شاهدت السائق يستجمع قواه و يمسح دموعه من مجرى اعتادت على سلوكه في هذا الوجه لسنوات مضت,, وعدنا الى الطريق وأصبحت اتعامل معه بالإشارة لتوجيهه للغاية التي نريد الوصول اليها.
هل تستغرب هذه الاسئلة وما انا عليه من حال؟ هذا ما قاله لي بعد تجاوزنا لمرحة النحيب السابقة,, فلم اجبه الا بقول اعانك الله,, ثم بدأ بسرد قصته ذات الحزن القاتل وقال,, ((اكاد افقد البصر بعيني اليسرى وعيني اليمنى ليست على الحال السليم صحيا,, و ابني من افضل أطباء العيون في اسبانيا,, وانا من قمت بتربيته والصرف عليه لتعليمه حتى التخرج,, وانا من فرح عندما وجد فرصة العمل في أوروبا,, وانا والده وبأمس الحاجة له لكن لا اجد منه الا النكران والتخفي واعتباري عيب عليه وكأنه ينتظر مماتي حتى تصفو له الحياة بمفارقتي,, ومن حين لآخر اتابع اخبار تميزه في مجال طب العيون على المستوى الأوروبي,, انا لا اريد ان يعطيني من خبراته الطبية ولا من ماله الكثير انا اريد ان أرى حفيدي الوحيد الذي سمعت عنه ولم ولن اشاهده)).
وكانت لحظة جميلة هي التي توقف بها السائق قريب من مقر اقامتي حتى افارق جبل من الحزن على هيئة انسان..
استشهدت بهذه القصة عندما سمعت من يثني على طريفة التربية في بعض المجتمعات,, وكأن ذلك فيه استنقاص لمجتمعنا من هذا الجانب,, وبعد هذا السرد اضفت ان من قناعاتي ان لكل مجتمع صفة غالبة بالتربية ولهذه الصفة مدة صلاحية وتنتهي او تفسد بعدها,, منها ما يصل الى 15 عام وهي تربية المجتمعات التي تتفنن بالفضيلة في مراحل الطفولة وشيء من المراهقة ثم الانتقال لجانب لا تحمد عقباه,, ومنها ما يستمر ما دام الانسان على قيد الحياة وهي سمة مجتمعنا,, فكثيرة هي المشاهدات لرجال ونساء لازالوا على البر لوالديهم حتى بلغوا مرحلة العمر المتقدمة,, ومع ذلك يعتبرون انفسهم اطفال وجب عليهم خدمة والديهم مادام للعمر بقية,, والسبب يعود الى زرع مخافة الله في الابناء وممارستها امامهم..
دمتم برعاية الله
jrlbader@
بواسطة : بدر جزاع العنزي
 0  0