×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبد الرحمن بن سعود الحربي

انهزامية المثقف السعودي خارج الحدود
عبد الرحمن بن سعود الحربي

سيختلف معي في انهزامية المثقف السعودي كل متابع لوسائل إعلامنا السعودية ، عندما تغيب عنه حقيقة صناعة اسم المثقف في واقعنا السعودي المر ؛ فهو لا يدرك أن الإعلام يصنع شخوصنا الثقافية ، ويلبسها حللا براقة تدلِّس على المتابع جوهرَ أصحابها ، فمثقفنا السعودي متفرد عن كل مثقف ، هو شاعر قاص مسرحي وروائي ، يمتلك كل المواهب الأدبية ، ويكتنز بمواهب فنية تجهد حاصرَها ، الذي يؤمن أن صاحب الصنعتين كذاب إلا أن يكون سعوديا ! وهو قناع سميك جدا لا تخترقه الأبصار ولا البصائر ، فلسفة ومنطق وتغريب ، وألفاظ أعجمية تكسر الرتابة ، وترمز إلى امتزاج الثقافات ، جملة انجليزية وأخرى فرنسية كفيلة بالتجديد في حوار صباحي صاخب ، يبث جزءه الآخر عند هدأة الليل الشاعرية مفعما بحديث منمق عن قصائد لم يسمح وقت البرنامج بإلقائها !

ولربما الدال الطاغية على السير الذاتية في زماننا ، طغت أيضا على الحوارات واللقاءات ، ولا عجب فقد رأيتها ذات مساء تسرق وقت أمسية شعرية لولا ثلاث قصائد لعبت دور الراقع ...

وفي كل هذا لست أختلف مع من ينكر انهزامية المثقف السعودي ؛ إذ لست أتحدث إلا عن بسيط أو معدم تشكل الثقافة جوهره ، تراه شاحب الوجه ضعيف البنية ، لم يجد ما يقيم أَوَدَه فكيف له أن يطبع مؤلفاته المتكدسة في مكتبته / مطبخه / غرفة نومه وأولاده .. يسهر ينثر لآلئ أحاسيسه وجواهر فكره ، ويصبح على قرع جيرانه لبابه يسألونه رد الدين .. تحت قدميه عند الباب إجابات جفت ولم تجف ! فدموعه المتحدرة تنبئهم عن مالهم ، وكيف ابتلعه حليب أطفاله وإيجار مسكنه الواهي .. يشفقون عليه ، فيعود إليهم يقرع أبوابهم كعادته كل شهر !

هذا المثقف لم يبرح بيته ، يخاف على انتمائه لوطنه الفتنة ، إنما أترابه الذين خرجوا خارج حدود الوطن ، وأكلوا حتى شبعوا ، بعضهم عاد إلى جوعه ، وآخرون تنكروا لماءٍ شربوه ، وهواءٍ تنفسوه ، وأرضٍ علمتهم قداسة ضمائرهم فما قدَّسوها .

أحد هؤلاء الانهزاميين عندما سبَّ حاقدٌ وطنه بلد الحرمين جرأته انهزاميته إلى أن يقول : (والله لو احترقت السعودية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها لم تحرك مني شعرة كما يبكي طفل في كربلاء) وآخر يقول : (السبب في تخلفنا نحن السعوديين جور السلاطين في بلادنا) وبالرغم من أنهما من طائفتين مختلفتين إلا أنهما لا يمثلان طوائفنا في شيء البتة !

قال لي أحدهم مرة: أنت ابن قبيلة عريقة لها تأريخها العريق ، فلم تختزل تأريخك في مائة عام ؟ قلت له: من شاعر العربية الأكبر؟ قال: المتنبي ، قلت: فما جنسيته؟ قال: لم يكن في عصره نظام جنسية ، قلت: لو افترضنا؟ قال: عباسي ، قلت: ألم يفخر بسيف الدولة ودولته؟ قال: بلى ، قلت: وما مطمعه؟ قال: الإمارة ، قلت: أليس هذا نفاقا؟ قال: بلى ، قلت: أعابه ما كان يضمره؟ قال: كلا ، قلت: فما بالك بشاعر سعودي لا مطمع له في عشق ولاة أمره ووطنه إلا ما يمليه عليه دينه وضميره ؛ فليس لنيته مطية إلا الوفاء لقادته ، الذين صنعوا له دولة ، وجعلوا له في كل مشرق ومغرب صولة وجولة ، بعد أن كان لا يجد ما يكرم به ضيفه إلا ما ينهبه من مال حرام ! فالقبائل كلها في الجزيرة العربية تدين لولاة أمرها ، ولا أدل على ذلك مما حدثني به جدي -رحمه الله- عن واقعة (السليمية) التي دارت رحاها بين رجال القبيلة وبيارق الإخوان من رجال المؤسس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه وكيف تقهقرت بيارق الإخوان بصمود خمسة رجال (بواردية) تحصنوا في الجبال قرب المدينة ، حتى تذوقوا طعم النصر الأسطوري الذي تسطر بشجاعتهم على صفحات التأريخ بمقتل اثنين منهم وستين من الإخوان قبل أن يلوذوا بالفرار ، ولكنهم عندما علموا بعبد العزيز ودعوته وإخلاصه وسمو رسالته ، ذهبوا إليه في مقر إقامته في الحجاز بين مكة والمدينة ، وبايعوه على السمع والطاعة والتضحية في الإخلاص له ومناصرته .

نعم إنه عبد العزيز صقر الجزيرة العربية ، الذي وحَّد القبائل المتناحرة بالشريعة الإسلامية ، فدانت له القبائل فضلا وحبا ، وسادوا بعدله بعدما كانت دماؤهم ثمن سيادتهم !

وإن كان واهمٌ يرى أننا مضطهدون في وطننا فليزرنا ؛ ليرى واقع عزتنا فيبدد بواقعنا أوهامه ؛ ولأسمعه ما قاله فهد بن عبد العزيز -رحمه الله- عند توليه مقاليد الحكم عندما قال : (الحكم في هذه البلاد تكليف لا تشريف ، وأنا واحد من الشعب ليس إلا)! وأما ما يقوله خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ، فقد سمعه الأصم ورأى نتائجه الأعمى !

ولست آسف هنا إلا على مؤسساتنا الثقافية والأدبية ، التي أقصت المثقفين والأدباء ، فخرج منهم قلة إمَّعات ، حالهم حال من إن أعطوا من الصدقات رضوا ، وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون .

إن الوطن السعودي أيها اللؤماء من المثقفين وغيرهم لهو أكبر من مطامعكم الدنيئة ، وشهواتكم القذرة ، إنه وطن يلبس عراة الشرف شرفا ، ويطعم جياع العزة عزا ، ولا ينهزم خارج حدوده إلا الجبناء !

بواسطة : عبد الرحمن بن سعود الحربي
 1  0