×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

بابُ الجيران

بابُ الجيران
 كنتُ في الملعبِ القريبِ عندما شعرتُ بالإعياءِ بعد السقوط ، الوقتُ مع المغيب، بعضُ المعالمِ تختفي مع انحسارِ الشمسِ وحلولِ الظلال السوداء، حملني اثنان من الملعبِ نحو البيت؛ يبدو أنهما لايعرفان المكان ، أو أن أستارَ الظلامِ أشارتْ عليهما بأن يُبقياني عند بابِ الجيران، بقيتْ في ذاكرتي ذكرى البابِ الأزرقِ الذي صنعه الحدَّادُ لنا كما فعل بباب الجيران ، استقبلتْني جارتُنا بعدَ أولِ طَرقةٍ للباب ، كانت تكنسُ الفناءَ الترابي بمكنسةٍ من سعفِ النخيل، صاحتْ فيَّ بشفقةٍ وهي تنادي باسمي !! مابك؟ مشيتُ على أربعٍ حتى اقتربتُ منها، قلتُ لها، قدمي... قدمي يا أمي، كانت تلبس مثل ثوبِ أمي التي اشترتْه من البزَّازِ الأسمر ، ظننتُها أمي، حتى عندما استقبلتْني كنتُ أرى دارنا، تتشابهُ الأشياء ، أشجارُ الحناء والرياحين، رائحةُ الفلِّ وأصواتُ الدجاجِ التي تستعدُّ للهجوعِ بالطيران نحو مناماتِها خوفًا من القطط الشريرة بعد نهارٍ صاخب، أمسكتْ بقدمي، لمحتْ شريحةَ زجاجٍ حادةٍ قد انغرزتْ في قدمي، كنا نسميها طبيبةَ الحيِّ عندما نتوعك ، طمأنتْني، أحضرتْ أدواتِها البسيطة، أخرجتْ من باطنِ قدمي الزجاجةَ الصغيرةَ ومعها زفراتي المتعبة، تنهدتُ كثيرًا حتى رأيتُ مايشبه النهارَ قد غزا الليل، نهضتُ على قدمي، قبَّلتُها ورائحتُها تشبهُ رائحةَ أمي، قادتْني إلى بابنا القريب، كانت أمي في انتظاري بعد أن أطبقَ الليلُ على الأزقةِ وأخفى ألوانَ الأبوابِ المتشابهة، رميتُ نفسي في أحضانِها وجارتنا تحملُ في يدِها بقايا قطعةِ الزجاجِ التي اخترقتْ قدمي، عندما رحلتْ أمي الحقيقيةُ وأمي الجارة، رحلتْ معهما الأبوابُ المتشابهة، أغلقوا الشارعَ الصغيرَ الذي تمددتُ عنده ومددتُ قدمي الموجعة، مات الظلامُ الموحشُ معهما وسكتتْ أصواتُ الدجاجِ الهاربةِ نحو مناماتِها، استغنتِ القططُ ببراميل النفاياتِ لتسكتَ جوعها.
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد