×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

وفي العُلَا رَأيْتُ مَا لَمْ أرَهُ مِنْ قَبْل!

وفي العُلَا رَأيْتُ مَا لَمْ أرَهُ مِنْ قَبْل!
د.يوسف حسن العارف فواتح وبدايات:
(1) ... وذات شعر كتبت عن (العلا) قصيدة، قلت فيها:
إلى أرض (العلا) يممت وجهي
وعانقت الشموس العاليات

سلوا (كوك الخواجة) عن بهاها
وعما سجلت عين الثقات

حضارات توالت من قديم
فما النيلين أو أرض الفرات

ولما سمعها أو قرأها شاعر (العلا) الأستاذ الأديب محمد بن عبدالله القاضي غرد في تويتر قائلاً:

من قال حسناً في الحبيبة يشكر
والشعر من كرم الرجال .. محبب

أدلى بها المعروف (عارف) كنية
فخرُ الرجال محبة.. يتعجب

أمعنتَ فيها نظرةً فوصفْتَها
تهدي لها أحلى البيان فتطرِبُ

فإليه.. وإلى أهل (العلا) الكرام تحية ودعاءً ومحبةً واحتراماً!!

image


(2) وها أنذا قبل أيام أحل ضيفاً على تعليم العلا ومشاركاً في حفل تكريم الأستاذ القدير إبراهيم بن عبدالله القاضي/ مدير التعليم السابق بمناسبة تقاعده ولم أجد بداً من الشعر أهديه في هذه الفعالية الحبيبة إلى نفسي قلت فيها:

"لإبراهيم ترتجل القوافي
نديات، ويحملها فؤادي

أتيتك من (حجاز) الخير فرداً
حملت معي تباشير الوداد

وجئت إليك بالغرِّ القوافي
يسربلهن حبٌّ في ازدياد

فـ (إبراهيم)... خلٌّ ألمعيٌّ
له تهدى الأصيل من الجياد

ولكني حملت اليوم شعري
لأهديه الفتى/ الرمز/ القيادي"

(3) وهكذا كان حضور الشعر باذخاً، رقيقاً، معبراً عن مكنونات النفس والخاطر، وممثلاً للشخصية الشاعرة، وهذا فضل من الله يؤتيه من يشاء (فالشعراء أمراء الكلام يصرفونه أنَّى شاءوا.. ويجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم، فيقربون البعيد، ويبعدون القريب، ويُحتَج بهم، ولا يُحتَج عليهم). [كما قال الخليل بن أحمد، ونقله القرطاجني في كتابه منهاج البلغاء ص ص 143-144].
image


# # #
معالم وجولات:
(1) وهذه – بالنسبة لي – هي الزيارة الثالثة لمدينة العلا.. فالأولى كانت في الفترة ما بين 16-19/5/1429هـ وكتبت عنها مقالاً رحلياً بعنوان: طريق القوافل وسكة حديد الحجاز قراءة سياحية ورحلة تاريخية 16-17/5/1429هـ نشر في مجلة عالم طيبة القابضة العدد 63 السنة 18، 20 رمضان 1429هـ، ثم نشرته ضمن كتابي: في آفاق النص التاريخي الصادر عام 1432هـ، ص ص 383-392.
والرحلة الثانية كانت في الفترة ما بين 14-16/4/1441هـ وكتبت عنها (أيضاً) مقالاً رحلياً نشر في صحيفة مكة الإلكترونية 7/3/2020هـ بعنوان: أيام في العلا.. عروس الجبال ولؤلؤة الشمال وعاصمة الحضارات وسيكون – إن شاء الله – ضمن كتابي القادم المعد للنشر بعنوان: فامشوا في مناكبها – رحلات وذكريات.
وفي هذه الزيارة الثالثة والتي تمت في الفترة ما بين 13-15/4/1444هـ، وكان هدفها الأساس المشاركة في حفل تكريم الأستاذ إبراهيم القاضي (مدير التعليم السابق) بعد تقاعده استجابة لدعوة الزملاء في تعليم العلا، ثم التعرف على هذه المدينة التاريخية والآثارية والحضارية وما شهدته من تطورات وتغيرات جديدة في عهدنا السعودي عهد سلمان (الحزم) ومحمد (الرؤية) وقد رأيت فيها ما لم أره من قبل في زياراتي السابقة مما زاد معرفتي، وأوقفني على كثير من التفاصيل التي لم أفطن لها في تلك الزيارات، وأشعرتني بأن الزمن والمتغيرات الجديدة في بلادنا الغالية بدأت تؤتي ثمارها اليانعات خططاً وإنجازاً وفعاليات تسهم في البناء الوطني المتواتر والمتجدد.
(2) في مساء الاثنين 13/4/1444هـ حطت بنا الطائرة القادمة من جدة وعلى متنها كثير من السائحين الأجانب والعرب الذين بدأوا يتوافدون إلى العلا حيث السياحة الشتوية التي تجهز لها هيئة الترفيه بالتعاون مع الهيئة الملكية للعلا تحت شعارات متعددة من مثل:
مهرجان الممالك القديمة 11-27 نوفمبر 2022م.
لحظات العلا 22 سبتمبر – 24 سبتمبر 2022م.
شتاء طنطورة 21 ديسمبر 2022م – 21 يناير 2023م.
وها نحن في المطار الذي أنزله لأول مرة.. كان فاتناً بكل معاني الكلمة فهو يحمل اسم الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز (يرحمه الله) أمير منطقة تبوك ما بين 1400-1406هـ ثم المدينة المنورة في الفترة ما بين 1406-1420هـ. وأخيراً منطقة مكة المكرمة فيما بين 1420هـ-1428هـ.
هذا المطار الذي يقع على بعد 25 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي من مدينة العلا – والذي افتتح عام 2011م كمطار محلي ثم ارتقى ليكون مطاراً دولياً في العام 2021م بجهود الهيئة الملكية لتطوير العلا والذي أصبح بذلك خامس أكبر مطارات المملكة العربية السعودية والحمد لله.
مطار أنيق، متكامل الخدمات، فيه دلالات سياحية تشير إلى حضارة العلا وآثارها التاريخية وفضاءاتها الاجتماعية والثقافية.
يفجؤك أهل العلا - شبابهم وفتياتهم العاملين في المطار – بحسن الاستقبال وبشاشة الوجوه، والترحيب الجميل، وتقديم الخدمات بروح وطنية وأخوية تشعر أنك بين أهلك وذويك، يستقبلون ضيوف العلا بالقهوة السعودية، والتمر العلاوي على يد فتيات علاويات، كما تجد الأدلاء السياحيين الذين يقدمون الخدمات التي يحتاجها السائح بكل حفاوة ومعرفة وإرشاد سياحي جميل!!
حملت هذه الصورة في ذاكرتي اعتزازاً ببنات وشباب وطني الذين حصلوا على دورات إرشادية وسياحية تعلموها وهاهم يطبقونها في هذا المنفذ السياحي الأنيق مطار العلا – مطار الأمير عبدالمجيد.
(3) وبينما أنا مع هذه المشاعر والروح المعنوية المرتفعة رأيت في مدخل قاعة القدوم والاستقبال سعادة مدير التعليم الأسبق الأستاذ إبراهيم القاضي والصديق المثقف الدكتور سلطان القنيدي وهما ينتظران وصولي ويستعدان لاستقبالي فجزاهم الله خير الجزاء.
ومن المطار – وبسيارة الزميل إبراهيم القاضي – إلى حي (الرزيقية) – أحد الأحياء الجديدة خارج البلدة القديمة التي تسمى (الديرة) إلى الشمال منها تقريباً وقفنا عند جامع الحسن البصري لصلاة المغرب والعشاء جمعاً وقصراً ثم الاستراحة في منتزه ومطاعم (نيلوفر بارك) ثم تناول وجبة العشاء بمرافقة الزملاء من العلاقات العامة بالإدارة التعليمية ومساعد الشؤون المدرسية الأستاذ علي سعد بن جبر ومجموعة من وحدة النشاط الثقافي، وكانت سهرة أدبية تربوية ماتعة، وذكريات تعليمية وإدارية يسردها مدير التعليم ومعاناته الإدارية أثناء عمله السابق كما تطرق الحديث إلى زمالاته وصداقاته ونجاحاته وإخفاقاته التي جعلتني أطلب منه كتابة وتوثيق هذه الذكريات في كتاب سيري ليستفيد منها الجيل التربوي القادم، فهي حكايات نجاح وجهود مخلصة للبناء والتفاني والعطاء!!
ومع كل هذا الزخم من الذكريات المعاصرة راحت بي الأفكار إلى الماضي البعيد حيث تتجلى روعة التاريخ عندما يعيد نفسه فالماضي البعيد يشير إلى أن العلا أرض الحضارات بدءاً بالحضارة (الدادانية) ثم (اللحيانية) ثم (النبطية) ثم (الرومانية) ثم الوصول إلى الحضارة الإسلامية وما يتبع تلك الحضارات من لغة ومسميات وثقافة.
اليوم نراه شاهداً جديداً على تنامي وتقارب الحضارات فمن كان يصدق أن ابن العلا اليوم يتحدث بهذه اللغة (nelofarpark نيلوفر بارك) ويتفاعل مع هذا الواقع الجديد بكل إنسانية وانسجام وانخراط في ركب الحضارة الذي تستقبله العلا وأهاليها أحسن استقبال!!
خطرت في بالي هذه الخواطر التاريخية والمعاصرة وأنا أشاهد أبناء العلا يتعاطون مع هذا الواقع الجديد بكل أريحية وانسجام وتفاعل حضاري!!
وبينما أنا مستغرق في رحلة تاريخية عبر الذاكرة الماضوية، شعرت بلكزة صديقي المجاور والمشارك معنا في هذه السهرة والضيافة الماتعة والفاخرة في نفس الآن فانتبهت فإذا بي أمام حاضر رائع وجميل فالموقع الذي نحن فيه الآن كان أحد بساتين النخيل المنتشرة في العلا ولكنه تحول إلى مشروع استثماري سياحي/ ومنتزه فاخر ومطعم يقدم وجباته عن طريق البوفيه ولجميع الوجبات (الإفطار والغداء والعشاء) وأماكن جلوس ترفيهية تحت ظلال النخيل الوارفة وممرات جمالية وإضاءات مخملية، تجعل الشعر يتوالد في هذا الموقع البديع فكانت هذه القصيدة الشعرية التي بدأت هناك مساء الاثنين 13/4 وانتهت هنا في جدة مساء يوم الاثنين 26/4/1444هـ وأقول فيها:

وصلنا (للعلا).. فانثال شعري
لـ(إبراهيم) يزجي الفاتحات

أتانا في (المطار) ليلتقينا
ويسبغ فضله عند الثقات

بشاشة وجهه تنسيك جهداً
تنامى حيث هم الطائرات

و(سلطان القنيدي) كان بدراً
يشع ضياءه بالذكريات

فآوونا لأرض ذات نخلٍ
تذكرنا العهود الماضيات

وأما اليوم أضحت ذات وسم
(خواجيُّ) المسمَّى والسمات

(نيلوفر بارك) ياااا الله عليها
حدائق باذخات وارفات

و(مطعم) فائق الخدمات ليلاً
وفي (الإصباح) تلقى الطيبات

يحقق للسياحة مبتغاها
ويرفع (للعلا) سهم الحياة

فشكراً (يا أبا فيصل) وشكراً
و(يا سلطان) نلت المكرمات!!
image


وانتصف المساء، وحان وقت المبيت والمنام فاختار لنا الزملاء دارة التربوي المتقاعد الأستاذ إبراهيم البدير الذي أعدها كوحدات سكنية/ شقق مفروشة مجهزة بكل ما تحتاجه هذه المشاريع الاستثمارية في بلد سياحي يحتاج الكثير والكثير من هذه الشقق الفندقية، ولكنه – حتى الآن – لم يحصل على الموافقات الرسمية لأن الهيئة الملكية لتطوير العلا لديها أجندات ومخططات تطويرية لم تعلن عنها بعد!! وإن غداً لناظره قريب!!
(إبراهيم البدير) شخصية تربوية/ اجتماعية/ مثقفة واعية لديه من الكنوز المعرفية ما يشدك إليه إذا تحدث أو ناقش أو أسهم في حوارات معرفية، فتح شقته العلوية للزملاء والأصدقاء والزوار ليكون ديوانية أو صالون ثقافةٍ يعج بالحوارات والمنتديات والسهرات البريئة. سهرنا عنده ذات ليلة من ليالي هذه الزيارة برفقة مديري التعليم وضيوف العلا:
الأستاذ محمد فرج بخيت مدير تعليم ينبع (السابق).
الدكتور محمد إبراهيم الزاحمي مدير تعليم القنفذة.
الأستاذ هاشم علي الحياني مدير تعليم محايل عسير (السابق).
الدكتور سعد الرفاعي الشاعر والناقد والتربوي.
الأستاذ أحمد النزاوي التربوي المتقاعد.
ودار السجال والنقاش الأخوي والحميمي حول الأدب (الأيروتيكي) وفضاءاته المتعددة في ثقافتنا العربية وكان مضيفنا الأستاذ (إبراهيم البدير) المتحدث الرئيس الذي أضفى البهجة والبسمة والبساطة والمتعة والفائدة والجمال (جمال الروح – وجمال الحديث – وجمال الموضوع) المسكوت عنه في كثير من مجالسنا الأدبية!!
(إبراهيم البدير) شكل لي إضافة جديدة على المستوى الشخصي بأفكاره الاقتصادية والتربوية والثقافية والاجتماعية فهو شخص يألف ويؤلف عشت معه أياماً ثلاثة كأنها زمن طويل من المعرفة والتآخي والصداقة، فشكراً للظروف التي جمعتني به، وعرفتني عليه.
(4) وبعد ليلة هانئة، في سكنٍ دافئ، أصبحنا صباح الثلاثاء 14/4 لنجد مضيفنا الأستاذ إبراهيم القاضي عند النزل الذي بتنا فيه ينتظرنا لجولة صباحية بدأناها بالإفطار في نفس المنتزه (نيلوفر بارك) ثم جولة داخل أحياء العلا القديمة والحديثة، ثم ودعنا مضيفنا متجهاً للمطار لاستقبال الضيوف القادمين من ينبع والمدينة وعسير وجدة، ثم الاستعداد للأمسية التكريمية مساء هذا اليوم الثلاثاء 14/4، وتركني بصحبة الأخ الأستاذ (إبراهيم البدير) ليأخذنا في جولة سياحية فزرنا قلعة موسى بن نصير المشرفة على الديرة القديمة، وفندق (آراك العلا) أول فندق سياحي أنشئ في العلا وكان مقر إقامتي في الزيارة الأولى ولكنه اليوم أصبح مقراً للهيئة الملكية لتطوير العلا، وقد لاحظت أثناء هذه الجولة التغيير والتطوير الكبير في الديرة القديمة، حيث الطرقات الواسعة والأرصفة المتجددة والبعد عن حدود الديرة القديمة، والترميم الشامل لهذه البلدة الأثرية التي أذكر أنها من "منجزات القرن السابع الهجري وتمثل ثالث المدن الإسلامية التي تعود لهذا القرن وأولها فاس بالمغرب وثانيها طليطلة بأسبانيا!! [انظر كتابنا في آفاق النص التاريخي ص ص 388-389]. واشتهرت بـ (الطنطورة) أي الساعة الشمسية أو (المزولة) التي يتحدد بواسطتها دخول موسم الشتاء (22 ديسمبر)، وتوزيع مياه العيون على المزارعين، ومعرفة مواقع النجوم والكواكب".
ثم واصلنا الجولة الصباحية متجهين إلى جبل الفيل على بعد سبعة كيلومترات تقريباً إلى جهة الشرق من العلا ووجدناه قد دخل في حقبة سياحية وتطويرية جديدة غير ما شاهدناه في الزيارات السابقة، فقد أصبح معلماً سياحياً صحراوياً، ووجهة ساحرة في الليل تحت ضوء النجوم، أو نهاراً يعكس ألوان الشمس في الظهيرة أو عند الغروب، وقد صُمم سياحياً ليستقبل الزوار السائحين على جلسات أرضية محيطة بهذا المعلم السياحي ومقاهٍ ومطاعم عصرية!! وربما حفلات موسيقية وغنائية، وحاولنا دخوله لكن رجال الأمن اعتذروا لنا لأن الوقت مبكر جداً حوالي الساعة العاشرة صباحاً وهو لا يفتح للزوار إلا مع الساعة الرابعة عصراً...
كان رفيقي ودليلي الأستاذ إبراهيم البدير يحدثني عن (العلا) وأهلها، عن جمالها وتاريخها، عن معالمها وتطوراتها حديث الخبير المحب والعالم النجيب والمفكر العميق والأديب الشاعر، وصاحب النكتة المعبرة والمضحكة والمفيدة في نفس الآن!!
image


ومن جبل الفيل عدنا إلى بدايات طريق الحجر ومدائن صالح ولأنها تحتاج إلى أذونات مسبقة للدخول إلى آثارها المعروفة، اكتفينا بالوقوف عند أول الطريق حيث منتجع شرعان المرتقب، ومسرح المرايا (الموعودون بدخوله غداً إن شاء الله) وواحة عشار التي أخذت حقها من التطوير السياحي.
ثم عاد بنا الدليل إلى العلا ونخيلها وجبالها عائدين إلى حيث النزل الذي نسكن فيه عبر الطريق الدائري الجديد الذي يحيط بالعلا من جهة الجبال الشرقية وهي الجبال المطلة على مزارع النخيل الممتدة على طول الوادي.
وعند النزل التقينا الزملاء القادمين من ينبع بطريق البر وهم الأستاذ محمد فرج بخيت المدير الأسبق لتعليم ينبع، والدكتور سعد الرفاعي الناقد والشاعر والتربوي، والشيخ أحمد النزاوي وبعد استراحة قصيرة أدينا فيها صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً توجهنا إلى حيث مأدبة الغداء العامرة في منتزه (نيلوفر بارك)، وسعدنا بلقاء الأحبة من منسوبي التعليم في حوارات شعرية وأدبية وذكريات تعليمية وتربوية، ثم عدنا للنزل حيث الاستراحة حتى موعد الحفل في تمام الساعة الثامنة مساءً.
(5) وحان الموعد المنتظر لحفل تكريم أخينا سعادة الأستاذ إبراهيم عبدالله القاضي.. وهاهي قاعة الندوات والمحاضرات بإدارة تعليم العلا تكتظ بالحضور انتظاراً لتشريف سعادة المحافظ الأستاذ راشد بن عبدالله القحطاني الذي جاء في موعده ولكنه لم يستمر معنا طوال الحفل لظروف عمله الاستثنائية وارتباطاته المبرمجة سلفاً وقد رعى – حفظه الله – المناسبة منذ بداية انطلاقتها ثم قام بالمشاركة في تسليم الهدية الخاصة بالمحافظة للمحتفى به ثم ودع القاعة مستأذناً لظروفه العملية.
وبعد توديع سعادة المحافظ، استمرت فعاليات الحفل وفقراته، وكان للشعر حضوره الباذخ والمتألق.. إذ استمعنا إلى العديد من الشعراء والقصائد، والكثير من الأوبريتات واللوحات الإنشادية وكانت على النحو التالي:
قصيدة للشاعر د. يوسف العارف (أنا).
قصيدة للأستاذ عبدالرحمن البريكيت.
(شيلة) شعرية للأستاذ عبدالرحمن المورعي.
قصيدة نبطية للدكتور سلطان القنيدي.
قصيدة للدكتور سعد الرفاعي.
قصيدة للأستاذ محمد القاضي.
قصيدة للعميد أنس المطلق.
أوبريت بعنوان: منهل الإبداع للأستاذ عبدالرحمن البريكيت.
قصيدة للطالب سعود سالم شكر.
ولهذا أطلقت على هذه الاحتفالية: "احتفالية الشعر والشعراء في تكريم التربوي الأديب وصديق الأدباء".
وقد أعجبني في هذا الحفل المبارك فعالية الهدايا والدروع التكريمية، فرغم كل هذا الاحتفاء المستحق من هدايا مالية، أو عينية أو شهادات ودروع تذكارية فهذه كلها دنيوية وزائلة إلا أن الأبقى والأدوم دنيوياً وأخروياً هي تلك الهدايا الوقفية التي أوقفها المهدون باسم المحتفى به لجمعية تحفيظ القرآن الكريم، وجمعية ذوي الاحتياجات الخاصة، وجمعية الأيتام وغيرها من الجمعيات الخيرية. فشكراً لهذه اللفتة الجميلة والرائعة والمتفردة والتي لم أشهد مثلها في المناسبات التكريمية التي حضرتها طوال عمري التعليمي والاجتماعي، ولعلها إحدى الفوائد التي ألزم نفسي بها في قادم الأيام وأقترحها على كل من يستطيع أن يقدم هذه النوعية من الهدايا الوقفية.
قلت آنفاً إن للشعر حضوره الباذخ ومن ذلك قصيدتي في هذا الحفل ومنها هذه الأبيات:

فأنت قرين فضل واصطبار
وتقوى الله زاد خير زاد

حباك الله علماً تربوياً
تسخره لأبناء البلاد

فتى رام المعالي فاحتواها
وتوج سعيه بهدى الرشاد

له نزجي القوافي خالدات
كنقش حل في صم الجماد

لإبراهيم أرتجل القوافي
وللتاريخ يكتبها مدادي

فعذراً إن بدا حرفي سقيماً
وشكراً كلما نادى النادي

ومن قصيدة الدكتور سعد الرفاعي نختار هذه الأبيات:

نحو العلا سرنا ورايات العلا
قد رفرفت حباً يحفُّ حبيبا

هرعت إليك مشارق ومغارب
ولسانها يشدو الوفاء طروبا

فاهنأ (أبا فيصلْ) سموُّ عطائكم
الشكر كم يسعى إليه طلوبا

وانْعَمْ بقادم متعة وسعادة
مادمت في كنف الإله قريبا

ومن قصيدة الشاعر سلطان القنيدي الشعبية/ النبطية نختار هذه الأبيات:

"ومن شان أبو فيصل ومن شان عزوته
أبا أرفع عقالي.. والمقام جليل

هذا قايد التعليم نبراس بالعطا
صنع مجد يضاهي بالعلو سهيل

تميز بصمته واحترامه وهيبته
وحاز الخصال النادرات أصيل"

ولعل من جماليات هذه الاحتفالية الرائعة مشاركة الطلاب والطالبات من مدارس العلا (مدرسة معاذ بن جبل المتوسطة ومدرسة الصديق الثانوية وطالبات المدرسة الثانية الابتدائية والسابعة الابتدائية بنات) في تجسيد اللوحة التعبيرية (الأوبريت) الذي كتب كلماته الشاعر عبدالرحمن البريكيت بعنوان (منهل الإبداع)، وكذلك مشاركة الطالب سعود سالم شكر بقصيدة (شكرًا).
ولقد كان لهذا الحضور الطلابي والمشاركة الوجدانية كبير الأثر في نفوس المشاركين تربوياً واجتماعياً وأخلاقياً فمن هنا تغرس مثل هذه القيم في نفوس الناشئة وهذا هو دور المحاضن التربوية والتعليمية. فشكراً للقائمين على هذا البرنامج الاحتفالي والتنظيمي والإعداد والتدريب. وإن كان لي من ملاحظة في هذا السياق هو عدم مشاركة القسم النسائي في تعليم العلا إلا بالحضور فقط أما البرنامج فتسيده قسم الرجال والطلاب لولا مشاركة الطالبات من المرحلة الابتدائية في الأوبريت!!
ولا أنسى – وأنا في هذا المقام الاحتفائي – أن أشير إلى أهم وأبرز الجماليات التي زينت حفلنا هذا وصبغته بالصبغة الأكاديمية والعلمية والتوثيقية وهي إصدار كتاب خاص عن المحتفى به، سطره الزملاء والمجايلون والمعارف من زملاء المهنة ورفقاء الدرب وعارفي فضله، إضافة إلى طلابه وتلاميذه ومريديه، فكان هذا الكتاب "تكريماً على جهوده المميزة، وتقديراً لمكانته الرفيعة في نفوس محبيه، واعترافاً بفضله وعطائه الثرّ، وإقراراً بأثره الخالد في ذاكرة الأيام والأجيال" [من مقدمة الدكتور سلطان القنيدي، معد الكتاب ومحرره ص3].
وبالتأكيد فإن من يقرأ هذا السفر التربوي العظيم ليجد روح المؤلف/ المعد وتفانيه في جمع واحد وأربعين كاتباً وكاتبة من مناطق تعليمية مختلفة في أنحاء بلادنا المترامية والعامرة ومتابعتهم والتواصل معهم حتى وافوه بالكلمات التربوية والأخوية التي تعتبر شهادات ورصداً توثيقياً لسيرة ومسيرة المحتفى به وقد "تنوعت بتنوع دوافعها ومشاربها وتجاربها وتخصصاتها وتكشف عن جوانب عديدة عايشوها في شخصيته الكريمة" [من المقدمة، ص4] وفرغ وقته وجهده لقراءتها وتبويبها ومتابعة طباعتها ومراجعتها وتصميمها وإخراجها بهذا الشكل الجميل في كتاب توثيقي/ معرفي/ تنويري مع ما في ذلك كله من مشقة وجهد وسهر حتى وصل إلى أيدينا قراءً ومستفيدين. ولا أخفي مدى سعادتي بهكذا عمل توثيقي يؤرخ لسيرة الرجل ومسيرته التربوية والاجتماعية.
ورغم كل هذا الإبداع والإنجاز والتفاعل المعرفي والتأليفي إلا أن لي ملاحظة لابد من طرحها وهي خلو هذا الكتاب المميز من الصوت النسائي من قيادات التعليم النسائي في العلا ومن مديرات المدارس والمشرفات التربويات ومن سيدات المجتمع العلاوي. ولم أجد فيه إلا صوتين فقط ويكفي أنهما من القيادات النسائية في الوزارة وهما الدكتورة عواطف بنت محمد العتيبي مديرة القسم النسائي بمركز الوعي الفكري والأستاذة ريم بنت علي أبو الحسن مدير عام نشاط الطالبات بالوزارة ولعل لأخي سلطان عذراً ونحن نلوم؟! ولكن له الشكر الجزيل على هذا الجهد المبارك وسيكون في موازين حسناته يوم الدين إن شاء الله رب العالمين، ويستاهل الدكتور سلطان القنيدي كل تقدير!!
(6) وانتصف المساء، ولازال صدى هذه الفعالية التكريمية تحفنا ذكراها ونحن على موائد العشاء العامرة التي أعدت خصيصاً لهذه المناسبة الاحتفالية برمز من رموز التعليم في محافظة العلا.. ولازال الحوار والنقاش يتنامى بين أهل العلا وضيوفها من خارج المحافظة فالجميع يدعوننا للضيافة غداً أو بعد غدٍ ونحن نبدي لهم الشكر والعرفان والاعتذار قائلين لكل واحد منهم: يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق فقد كفَّى التعليم ووفَّى وهذه ليلة تسجل في الذكريات الخالدة التي يصعب عليها النسيان.
وبعد العشاء غادرنا مبنى التعليم إلى نزلنا حيث أصر مضيفنا صاحب النزل الأستاذ إبراهيم البدير على إكمال السهرة في ديوانيته وشرب الشاي الأخضر برفقته والاستماع إلى محاضرته (الآيروتيكية) التي أشرنا إليها فيما سبق ولم نستطع الخلاص إلا بعد ساعتين أو ثلاثة قضيناها معه في متع عقلية وعاطفية وأدبية وعلمية وتربوية كان لزملائنا مديري التعليم دور أساس في تحريك المياه الراكدة.. وبسط الموضوعات الشائكة، وطرح التساؤلات التعجيزية، وتتبع الدلالات والإلماحات التعبيرية، حتى قال قائلهم: قوموا إلى مهاجعكم فقد حان وقت المنام وورائنا في الغد جولات وزحام وزيارات تنسيكم ما مضى من أيام!! ولم نجد بداً من القيام، والالتزام بما أجمع عليه المنظمون بكل احترام!!
(7) وأصبح الصَّباح يوم الأربعاء 15/4 وكنت على موعد مع الزميل سلطان القنيدي لنزور معًا سعادة مدير التعليم ومساعده للشؤون المدرسية زيارة أخوية نهديهما فيها مجموعة من كتبي التربوية والشعرية والنقدية. وهاهي الساعة السابعة والنصف حيث يصل الأستاذ القنيدي وأنا أنتظره في بهو النزل وإذا بالزميل مدير التعليم الأسبق في محايل عسير الأستاذ هاشم الحياني يكمل ثلاثتنا في بهو النزل فتأخذنا الأحاديث عن سهرة البارحة والحفل التكريمي ولم نخبره بخطتنا الصَّباحيَّة ويبدو أنه أخذ في خاطره فقد كان بوده مشاركتنا أو الخروج معنا.. وقد أعرب عن ذلك تلميحاً أثناء طعام الإفطار فله العذر والشكر والعتب مقبول!!
وكذلك كان أخي الدكتور سعد الرفاعي قد أخذ على خاطره من هذه الجولة وعدم إشراكه فيها حيث تضامن مع الزميل هاشم الحياني في ذلك.. ورغم أن الأمر لايستحق قلت لهما لكما العتبى حتى ترضيا!!
زرنا إدارة التعليم ووجدنا المدير الأستاذ موسى محمد موسى الذي استقبلنا ورحب بنا واستضافنا في لقاء تربوي ماتع تناقشنا فيه مشاكل التعليم وفعالياته في ظل الوزارة الجديدة التي يقودها معالي الوزير الجديد يوسف البنيان والذي تشير سيرته الذاتية إلى أن اسمه ضمن قائمة أقوى الرؤساء التنفيذيين بالشرق الأوسط لعام 2021م وهو القادم من حقل (سابك) وفروعها المختلفة وإداراتها المتعددة بخبرات إدارية واقتصادية وتنفيذية تشهد له بالكفاءة والتميز ولعله بذلك يحدث تغييراً إدارياً وهيكلياً في وزارة التعليم!!
ثم زرنا الأستاذ علي سعد بن جبر المساعد للشؤون المدرسية صاحب الخبرات الإدارية المتعددة وهو شاب طموح فاعل ومنتج وعقلية حاسوبية وإدارية وتنظيمية يشهد له الميدان التربوي والتعليمي بكثير من النجاحات العملية والتربوية. وقد أحسن استقبالنا ودار الحوار بيننا حول جوانب كثيرة في المجال التعليمي والمدرسي، واستمر اللقاء حوالي النصف ساعة تقريباً غادرناه بعدها إلى مبنى بيت الطالب حيث قابلنا الأستاذ يوسف بن محمد البلوي المساعد للشؤون التعليمية ومجموعة من مشرفي قسم النشاط الطلابي ودار الحوار والحديث عن الأمسية التكريمية والدور الكبير الذي قدمه النشاط الثقافي في هذه التظاهرة التي يستحقها الأستاذ إبراهيم القاضي مدير التعليم المتقاعد والذي تم تكريمه مساء البارحة!!
image


وفي حوالي الساعة التاسعة والنصف التقينا بالزملاء جميعاً في منتزه (نيلوفر بارك) لتناول طعام الإفطار ثم التوجه للجولة السياحية التي بدأناها بـ(الديرة) – البلدة القديمة – التي أدخلها لأول مرة بعد أن هيأتها الهيئة الملكية لمحافظة العلا كمزار سياحي يؤمه الزائرون من السياح والأهالي وضيوف المحافظة.
كان الوقت مبكراً فالعادة فتح أبواب الزيارة منذ الساعة الرابعة عصراً حتى الساعات المتأخرة من الليل ولكنه استثناءً سمح لنا بالجولة السياحية قبيل الظهر وأثناء النهار فبدأنا جولتنا مشياً على الأقدام عبر (الجادة) وهي ممر سياحي مستحدث ويسمى طريق البخور، يسير فيه الزوار والسائحون بدءاً من شمال (الديرة) إلى جنوبها، لنرى مصفوفات الدكاكين والمقاهي وأماكن الراحة ودورات المياه على جانبي (الجادة) ثم دخلنا إلى عمق (الديرة) حيث الأزقة المتعرجة والنوافذ المرتفعة المطلة على الممرات الخفية والمنازل المترابطة ببعضها البعض مما يوفر لها تحصيناً وأمناً أميناً، ويشير دليلنا الأستاذ إبراهيم القاضي إلى بعض تلك المنازل والدور وملكيتها السابقة لأهله وأقاربه من أبناء العلا الميامين، ثم وصلنا إلى المسجد الجامع وهو (جامع العظم) الذي بني في المكان الذي اختطه صلى الله عليه وسلم بالعظام في مروره بالعلا إلى غزوة تبوك وسمي مسجد (العظم) أو (العظام).
ثم وصلنا إلى موقع (الطنطورة) والباحة التي أمامها وعرفنا من دليلنا أنها هي (الساعة الشمسية) أو (المزولة) التي كانت تنظم أمور الأهالي لسقي المزارع وبيان دخول الشتاء ومواسم الزرع والحصاد، وهي عبارة عن مئذنة هرمية الشكل مرتفعة عن سور المبنى المقامة عليه.
وأثناء مرورنا بهذه المزارات والأزقة الضيقة شاهدت إحدى البعثات الأثرية/ الفرنسية التنقيبية وهي أمام حفرة مربعة الشكل يمارسون دورهم التنقيبي/ الأثري وسألتهم عن مهمتهم فتحدث معي أحدهم باللغة العربية وقال هذه إحدى المواقع التنقيبية في البلدة القديمة!! وسألته عن المعثورات الشاهدية فقال إن هذه أسرار علمية لا يمكن البوح بها الآن ولكنها موجودات أثرية لها قيمتها العلمية والمعرفية والتاريخية عندما نستكمل دراستها!!
وانتهت جولتنا السياحية في هذه البلدة القديمة والأثرية والتي بنيت منذ القرن الثاني عشر الميلادي، وقد عاش فيها الأهالي حتى ثمانينيات القرن الماضي وانتقلوا بعدها منذ العام 1396هـ إلى المخططات الحديثة، واستلمتها هيئة السياحة والآثار وبدأت في تطويرها والمحافظة على حالتها العمرانيَّة وتأهيلها لتكون مزاراً سياحياً وبقيت تحت إشرافها حتى تسلمتها الهيئة الملكية لمحافظة العلا وبدأت في تطويرها الحديث منذ العام 2019م عندما أطلقت رؤية العلا برعاية ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان وبعدها بعامين في 2021م أطلقت مشاريع (رحلة عبر الزمن) لتطوير البلدة القديمة وتقديمها في نسختها الآثارية المتجددة واستجابة لمتطلبات الرؤية 2030م.
وقبل صلاة الظهر غادرنا (الديرة) متوجهين إلى (قاعة ومسرح المرايا) وهي تحفة معمارية فريدة في موقعها وفي إنشائها، وفي مستهدفاتها المستقبلية، حيث تقع في منحدر صحراوي بوادي عشار شمال غرب مدينة العلا وبين جبال عديدة ذات تشكيلات صخرية فريدة تنعكس على جدر هذه القاعة التي توجت بمرايا عاكسة من جهاتها الأربع وسجلت في موسوعة جينيس للأرقام القياسية على أنها أكبر مبنى مكسو بالمرايا في العالم.
وقد أُنْشِئَتْ عام 2018م حيث أقيمت فيها أولى الحفلات الموسيقية، ثم في العام 2021م استضافت هذه القاعة/ المسرح قمة مجلس التعاون الخليجي في دورته (41) التي تمت فيها المصالحة مع الشقيقة قطر، وبهذا تسجل حضورها في المشهدين السياحي / الترفيهي والتاريخي الحضاري!!
وقد سمح لنا – بشكل خاص – بدخولها والتجول في فضاءاتها المعمارية حيث المسرح، والبهو، والمطاعم والبوفيهات وسعدنا كل السعادة بالتصوير خارجها وفي محيطها الأثري الرائع!!
ومن ثم انتقلنا إلى منتجع صحراوي قريب من هذه القاعة وهو منتجع (هابيتاس) الذي استقبلنا في استراحة قصيرة تناولنا فيها القهوة والضيافة العربية ثم غادرناه إلى زيارة لمزرعة الزميل الأستاذ محمد بن يوسف النزاوي الجهني المعروفة باسم مزرعة (الشيهانة) حيث أدينا صلاتي الظهر والعصر جمعاً وقصراً وتناولنا القهوة والتمرة بين ضيافة أخوية وذكريات تعليمية ومجاملات ترحيبية.. ثم غادرناه إلى مجلس عشيرة القروق التي أولمت لنا غداءً فاخراً بمناسبة حفل تكريم الأستاذ إبراهيم القاضي وبعد الغداء تجاذبنا أطراف الحديث وتعاطينا الشعر والقصائد حتى حان الوداع وغادرنا شاكرين مضيفينا ومودعين زملائنا على أمل اللقاء القريب.
image


خواتيم ونهايات:
(1) وبعد وجبة الغداء الفاخرة في ضيافة (آل القروق) أكرمهم الله، عدنا إلى النزل استعداداً للمغادرة كل إلى دياره، وكان أول المغادرين رفقاءنا أهل ينبع سعادة الأستاذ محمد فرج بخيت والدكتور سعد الرفاعي والشيخ أحمد النزَّاوي الذين ودعناهم مع صلاة العصر تقريباً وكان طريقهم براً بالسيارة داعين لهم بالسَّفر السعيد والطريق الآمن والرحلة الممتعة والوصول سالمين غانمين!!
وقبل المغرب كان مضيفنا الأستاذ إبراهيم القاضي ينتظرنا أمام النزل لمرافقتنا نحو المطار وتوديعنا فيه نحن القادمون من جدة والقنفذة وعسير، ويحملنا من الهدايا التمرية ما نشكره عليها وظل معنا في المطار مسانداً ومرشداً وداعماً بحكم معرفته لكثير من موظفي المطار الذين كانوا تلامذة لديه، ومعارف لذويه ويكنون له الاحترام الكبير.
(2) وهانحن في قاعة المغادرة ويبقى حوالي ساعة على الإقلاع وأخذنا جولة تعريفية فهناك ركن سياحي هام يعرِّف بالعلا وآثارها وتاريخها، ويقدم منسوبوه ملامح دعائية وبرامج سياحية، ومعلومات تعريفية وهناك شاب سعودي اسمه محمد المالكي يعزف على آلة الأورج بعض الألحان الشجيَّة والمقطوعات الموسيقية، وهو شاب عشريني من ديار بني مالك قرب الطائف يعمل لدى هيئة السياحة بالعلا في هذا الجانب الترحيبي بضيوف العلا من خلال هذا المنفذ الجوي/ المطار.
وفي جلستنا بالمطار سعدنا بهذه الساعة الانتظارية وكأنها سويعة تمر سريعاً، فهذا مضيفنا يذكرنا بشاعر أردني يصف جبال العلا وكأنها أهرامات في بيت شعر جميل يقول فيه:
هرمان في مصر استفاضا شهرة
فما شأن دار كلها أهرام
image


وبذائقتي الشعرية أدركت الخلل العروضي في الشطر الثاني من البيت فحاولت إصلاحه ببيت شعر جديد قلت فيه:
أهرام مصر ثلاثة مشهورة
أما (العلا)... فجبالها (أهرام)

وتطرق الحديث إلى التحية الترحيبية في كل قبيلة أو منطقة في بلادنا السعودية.
ففي الطائف: مرحباً ترحيبة المطر.
وفي الباحة: مرحباً هيل.. عد السيل.
وفي القنفذة: مرحباً ألوف شب وخلوف.
وفي عسير: مرحباً ألف.
فأشار مضيفنا (أبو فيصل) أن التحية المستخدمة في العلا: ياهلا هلا.. والسكوت ترحيب!!
وهكذا قضينا ساعة الانتظار بين أحاديث ونقاش وحوار حتى أعلنت القاعة عن موعد المغادرة فودعنا زميلنا واتجهنا لطائرتنا شاكرين له هذه الاستضافة التي بدأت من المطار وانتهت في المطار!!
(3) لقد سعدت – كل السعادة – بالتعرف على أساتذة كرام، هم المكاسب في هذه الزيارة (العلاوية) ستظل ذاكرتي حفية بهم:
الدكتور محمد الزاحمي مدير تعليم القنفذة.
الأستاذ هاشم الحياني مدير تعليم محايل عسير سابقاً.
الأستاذ محمد فرج بخيت مدير تعليم ينبع سابقاً.
الأستاذ إبراهيم البدير صاحب الحديث الماتع والروح اللطيفة.
الشاعر العميد أنس المطلق الذي يتدفق شعراً وإبداعاً ورحابة صدر وفكاهة حاضرة.
الدكتور سالم بن عبدالرحمن البلوي المشرف السابق على فرع جامعة طيبة بالعلا، ومؤسس مجلس وادي القرى الثقافي وصاحب كتاب (صراطي) عن سيرته الذاتية، والذي يسعدني تقديم قراءة نقدية عنه في قادم الأيام.
إضافة إلى رفاق السَّفر الدائمين الشيخ أحمد النزاوي والدكتور سعد الرفاعي الذي همست في أذنه وهو يعقب على فقرات الحفل بروحه الناقدة.. قائلاً له: "من جاء ناقداً خرج فاقداً" فاستقبلها بصدر رحب ورضا نفس أخوية أشكره عليها. ومع الجميع كان مضيفنا إبراهيم القاضي، والدكتور سلطان القنيدي.
ولكل هؤلاء.. ولمن لم أذكرهم اسماً اسماً أدعو لهم بالتوفيق والسعادة وأن نجتمع على خير.
ولعلي أختم هذه الذكريات الرحلية بتحية شعرية (من قصيدتي في حفل التكريم) إلى أخي إبراهيم وإلى أهالي العلا الكرام:
"ويا أهل العلا.. جئنا نهني
(أبا فيصل).. عليه السعد بادي

وأنتم أهل تاريخ وفضلٍ
وأنتم في (العلا) طلق الزناد

إليكم هذه الأشعار تُهْدَى
ورب الكون للإنسان هادي

إليكم يا كرام القوم حُبِّي
من الحاضر إلى يوم المعاد

وأنتم يا ذوي التعليم شكراً
على هذا الوفاء (ال) غير عادي

و(يا موسى) حصدت اليوم نجحاً
بتكريم القيادي ذا الأيادي"

والحمد لله رب العالمين.
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد