×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

نقص النحاس يهدد العالم ويُبطئ تحول الطاقة.. وهذه هي الأسباب

نقص النحاس يهدد العالم ويُبطئ تحول الطاقة.. وهذه هي الأسباب
 صدى تبوك

يرتبط تجنُّب تأثيرات الكوارث المناخية عادة بقوة الإرادة السياسية. وينطبق الأمر نفسه على التحول إلى صافي الانبعاثات الصفري، الذي يشكّل تحدياً تقنياً شاقاً أيضاً. أحد الأسباب الكامنة وراء ذلك هو أنَّ تعديل أنظمة الطاقة التي تعتمد على الوقود الأحفوري كي تعمل بالطاقة المتجددة سيتطلب كميات أكبر بكثير من النحاس، الذي يعد الشريان الأساسي لشبكات الطاقة والمعدات الكهربائية، وتفوق الكميات المطلوبة منه قدرة الشركات المنتجة له حالياً.

ومن غير الواضح إطلاقاً ما إذا كان قطاع التعدين، الذي يتوخى الحذر عادةً، سيستوعب حجم الاستثمارات اللازم لتغطية احتياجات العالم، في حين أنَّ الفشل سيعني خروج خطة تحوّل الطاقة عن مسارها.

و يُعد النحاس أحد الموصلات الكهربائية المتاحة بوفرة نسبياً، وليس له بديل واضح. يمكن العثور على النحاس في كل أنواع المنتجات، من أجهزة تحميص الخبز إلى أجهزة التكييف ورقائق أجهزة الكمبيوتر. وتحتوي السيارة العادية على 65 رطلاً (30 كيلوغراماً) من النحاس، في حين يحتوي المنزل التقليدي على أكثر من 400 رطل.

وسيتطلّب التخلص من الكربون في شبكات الطاقة والنقل والصناعات كميات من النحاس أكثر بكثير من المتاح حالياً. وهناك حاجة لأسلاك نحاسية أطوالها ملايين الأقدام من أجل بناء شبكات أكثر كثافة وتعقيداً يمكنها استيعاب الكهرباء التي تنتجها مصادر متجددة لامركزية، وتحقيق التوازن بين الإمدادات المتقطعة التي تصلها.

وتتطلب مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح كمية أكبر بكثير من النحاس لكل وحدة طاقة تنتجها هذه المزارع، مقارنةً بمحطات الطاقة المركزية التي تعمل بالفحم والغاز. وفقاً لتحالف النحاس (Copper Alliance)، تستخدم المركبات الكهربائية أكثر من ضعفي كمية النحاس التي تحتاج إليها السيارات التي تعمل بالبنزين.

ونتيجة لذلك؛ فإنَّ الطلب السنوي مهيأ للتضاعف والوصول إلى 50 مليون طن متري بحلول 2035، بحسب ما استنتجته دراسة أجرتها “ستاندرد آند بورز غلوبال” (S&P Global) وموّلها قطاع التعدين، كما تفترض تلك الدراسة توفّر ما يكفي من المعدن الأحمر، وهو أمر غير مؤكد على الإطلاق.

لن توفر إعادة تدوير المزيد من النحاس إمدادات جديدة للنظام بشكل كافٍ. لذا؛ فإنَّ البديل الوحيد هو استخراج كميات أكبر، لكنَّ التوقُّعات تشير إلى أنَّ النمو في الإمدادات سيصل لذروته في 2024، إذ يبدأ عدد أقل من مشروعات التعدين الجديدة العمل وتنضب مصادر النحاس القائمة.

وتُقدِّر “غولدمان ساكس” أنَّ شركات التعدين ستحتاج لإنفاق قرابة 150 مليار دولار في العقد المقبل للتغلب على عجز يُقدَّر بـ8 ملايين طن. (للتوضيح: فإنَّ العجز العالمي في 2021 بلغ 441 ألف طن فقط، أي ما يوازي أقل من 2% من الطلب على المعدن المكرر، وفقاً لمجموعة دراسة النحاس العالمية).

وتشير التوقُّعات الحالية للسيناريوهات الأسوأ من “ستاندرد آند بورز غلوبال” إلى حدوث عجز بحلول 2035 يوازي نحو 20% من الاستهلاك.

وتضررت هذه الشركات بشكل كبير في الماضي، عندما انقلبت دورة القطاع ووجدت الشركات نفسها تعزز الإنتاج في الوقت الذي بدأ فيه تراجع الطلب.

ومنذ ذلك الحين، أعطت تلك الشركات أولوية للقوائم المالية المُحكمة، كما أصبحت أكثر حذراً فيما يتعلق بالاستثمار في مشروعات جديدة. كذلك يقلل شبح التضخم العالمي من جاذبية الإنفاق الرأسمالي الضخم، إذ يرفع التضخم تكاليف الاقتراض والتشغيل.

إلى جانب ذلك، تزداد صعوبة وتكلفة العثور على المخزونات الغنية بالنحاس. كما رفع التدقيق المتزايد في معايير التعدين الاجتماعية والبيئية تكاليف الإنتاج، ووضع عراقيل أمام مسيرة التوسع.

مثلما احتل النفط مركز الصدارة في المشهد الجيوسياسي خلال القرن الماضي؛ أصبح النحاس قضية أمن قومي في القرن الحالي. وتسارع الحكومات لضمان إمدادات مستقبلية لصناعاتها سريعة النمو المعتمِدة على الطاقة المتجددة.

وترجِّح سلسلة إمداد النحاس حالياً كفة الصين، التي تنتج وتستهلك كمية كبيرة من المعادن المستخرجة من أميركا اللاتينية وأفريقيا. وساهمت هيمنة الصين على معادن مثل النحاس والليثيوم والكوبالت في تحويلها لدولة رائدة في صناعة المركبات الكهربائية.

وتسعى الآن الدول المنافِسة للصين على المستوى الاقتصادي، مثل الولايات المتحدة وألمانيا، للحصول على مزيد من هذه المعادن محلياً أو من حلفائها. ونادى بعض المشرّعين في الولايات المتحدة بإضافة النحاس لقائمة المعادن شديدة الأهمية للدولة.

وإذا اتضح أنَّ نقص الإمدادات بالحدة التي يتوقَّعها بعض المحللين، سيتسبّب ذلك في رفع الأسعار بما يخاطر بالإضرار باقتصاديات الشبكات الذكية ومصادر الطاقة المتجددة وإبطاء تبنّيها.

ويمكن لمصنّعي تكنولوجيا الطاقة النظيفة تقديم العون لأنفسهم بالعثور على سبل تتيح لهم استخدام كميات أقل من النحاس في منتجاتهم. وستمثل الأسعار الأعلى على الأقل حافزاً لشركات التعدين لزيادة إنتاجها.

ولكنَّ تطوير منجم جديد يتطلّب عدّة أعوام، ولذلك السبب، في حال منحت دفعة جديدة من الطلب شركات التعدين الثقة لتشرع في استثمارات ضخمة جديدة؛ فسيتطلّب الأمر قرابة عقد من الزمان للوصول لمرحلة الإنتاج.

قد تعطّل السياسات الوطنية الإمدادات الجديدة. وتسعى الدول التي تملك احتياطيات كبيرة من المعادن للحصول على حصة أكبر من أرباح التعدين للتعامل مع التفاوتات الاقتصادية، مما قد يؤدي إلى تثبيط همم بعض المستثمرين.

وربما تلعب العراقيل البيروقراطية دوراً أيضاً. على سبيل المثال؛ تعطّلت مشروعات التعدين في تشيلي، وهي أكبر منتِج للنحاس في العالم، بسبب الضبابية في القواعد التنظيمية. أما في بنما، فقد أصبح أحد المناجم الرئيسية طرفاً في خلاف ضريبي.

ويمثل الضرر البيئي أحد المخاطر الأخرى للدول التي تدرس تنفيذ مشروعات تعدين جديدة. يُستخرج النحاس من الخام باستخدام مواد كيماوية بإمكانها الوصول للمياه الجوفية، وتلويث الأراضي الزراعية، والقضاء على الحياة البرية، وتلويث مياه الشرب.

وفقاً لباحثين في جامعة كوينزلاند في أستراليا؛ فإنَّ مخلفات النحاس – وهي نفايات الصخور الناتجة عن معالجة الخام – مهيأة لتصل من معدل سنوي يبلغ 4.3 غيغا طن خلال 2020 إلى 16 غيغا طن في 2050.

ولا يمثل ذلك مشكلة بيئية فحسب؛ بل إنَّ تكلفة التخزين الإضافية قد تصل إلى 1.6 تريليون دولار، بحسب تقديرات الباحثين.
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد