×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قضايا اجتماعية.. الجزء الرابع عشر قضية "القلب وحجراته هل هي للإيجار أم التمليك"

قضايا اجتماعية.. الجزء الرابع عشر قضية "القلب وحجراته هل هي للإيجار أم التمليك"
 القلب هو ذلك العضو الصغير والذي يأخذ شكل قبضة اليد بظاهرها وحجمها ومضمونها ، لأنه لا يتجاوز أبعادها ، ولا يختلف كثيرا عن شكلها ، ويحتاج لتلك القبضة وبتلك القوة حتى يحمي نفسه من الغزو إن تم فتحه ، ويحمي من به من التسرب والانفلات إن قمنا بتخفيف تلك القبضة ، أو قبلنا بحل إحكامها ، ونراه أيضا كعضو يقبع خلف قضبان القفص الصدري (ليس لأنه أسير ) ؛ بل لأنه يحتاج إلى درع يحميه ؛ لأهميته وشدة تأثيره وحساسيته ، وهو أيضا بين أحضان الرئة لتمده بالأكسجين الذي سيحيا به ، وتحتضنه بحنانها ورقتها حتى لا يجرحه أو يخدشه شيء ، فهي قادرة على أن تفديه بنفسها وتحميه بقوتها ، وتبقي عليه بهوائها ، ونراه ارتفع في أعلى الصدر حيث يليق به الرفعة ، فهو للعقل أقرب ، وبالكتف يُجذب ، دما نقيا خالصا يشرب ، وهو بالعلو أوجب ، وعن باقي الأعضاء يُحجب ، وإن كان يمد يده للجميع ، وكل الأعضاء به تبقى ، ومن ضعفه تخاف وترهب ، ومن ظن أنه قد يحيا بدونه فهو على نفسه يكذب .
هذا من حيث الشكل الظاهر ، والحجم و المكانة ، أما من الداخل - إن تعمقنا - سنراه مقسما إلى أربع حجرات ، اثنتان علوية ومثلها سفلية ، وأنا لن أخوض بوظائفها علميا ، ولن أتتبع عملها تقنيا ، وسأترك هذا المجال لأهله ؛ فهم به أولى ، ولكني سأصفه من منظوري ، وسأعكسه من زاويتي حسب رؤيتي و ظنوني ، وبما أن القلب مرتبط بمشاعر الكره والحب ، ودائما ما نرجعها إليه ، وهو المتحكم بالبعد والقرب كما نعرف دائما في العلاقات حيث مردودها منه إليه ودائما نراها تعتمد عليه ، ومن هذا المنطلق كانت نظرتي لها مختلفة ، وتفسيراتي لوجودها وتقيسمها بتلك الأمور مرتبطة ، فهي حجرات تم توزيعها وفصلها حسب المكانة لمن يسكنها ، وطبيعة من يقطنها ، ولكل حجرة خادم يتولى رعاية ومتابعة من فيها ، ولها ضوابط تتحكم بتصريح الدخول والخروج منها ، وكل ذلك يتم بطريقة لا إرادية لا تختلف عن طريقة عمل القلب الفعلية ، فكما أنه لا يتحكم بنبضه ، ولا يقرر سرعته أو توقفه أو استمراره ، ولا بضعفه أو حدته ، فإن حصل به تغيير فهو تهديد يحتاج لتدخل ، وعارض يتطلب علاجا ، وكذا الأمر في العلاقات التي تحكمنا بمن سنسمح لهم بالسكن بقلوبنا ، ومن سنخصص لهم زوايا من حجراته تلك ... .
فماهي تلك الحجرات ؟ وعلى أي أساس تم تقسيمها ؟ ومن سيقطن في كل حجرة فيها ؟
فهي حجرات أربع ، ( ولن نختلف على ذلك ) كما نعرف ونسمع ، الأولى منها ( حجرة خاصة جدا ) ، لا تسمح بالحقيقة بأن يشغلها أكثر من شخص واحد ، وله صلاحيات مطلقة لا يمتلكها البقية ، ولها ضوابط موثقة لا نلتزمها مع الأغلبية ، وله تأثير قوي على الحجرات الجانبية ، لأن هذه الحجرة إن كانت خالية ومهجورة سيظل القلب بحالة ضعف وخمول وكسل ، وهذا سيؤثر على باقي الحجرات ، وقد يحدث بها الخلل ، ويسود بها الكسل ، وإن امتلأت دبّت الحياة في حجراته ، وشع النور في جنباته ، واستطاع السيطرة على كل مهماته ، فهو بمن يشغل تلك الحجرة صار أقوى ، وبوجوده بها سيظل هذا القلب أعتى ، فهو الحبيب وهو القريب ، ووجوده شمس لن تغيب ، ومصدر طاقة لا ينضب ، والظن به دوما لا يخيب ، وإن كانت العلاقة بساكنها تحكمها حدود وضوابط بين حلال وحرام ، ومشروع وغير مشروع ، وإن كانت قائمة - دون غيرها - على حرية الاختيار ، إلا أنها إن تمت ستتصدر القائمة ، وإن استمرت ستكون هي المسيطرة والحاكمة ، لأنها بالتزامها وحسن اختيارها ، وبتطبيق أحكامها تتحول لقوة عارمة لا تهزم ، وعلاقة من الجميع لابد أن تُحترم ، ونحن دوما نوليها الرعاية لأنها في الحقيقة هي الأهم ، وستظل ما ظلت قائمة على أصولها المعروفة ، وسائرة بطرقها المرصوفة ، وسيظل هذا الشخص متربعا في عرش حجرته ، ومتحكما بها وبصاحب القلب الذي احتواها بمطلق إرادته وكامل رغبته ، فهو بها ومعها - وإن كان مقيدا - إلا أنها تعني له حريته ، ولكن ... ، إن رأينا هذا الشخص وقد بدأ يتجاوز صفته وكينونته ، ولم يعد يحترم جدران الحجرة التي احتوته وشملته ، فعاث بها فسادا ، وأحدث بها جروحا لا تندمل ، وسبب لها آلاما لا تُحتمل ، وانتهك حرمتها بتصرفات لا تُغتفر ، وقابلها بإهمال لا يُبرر ، وأُعطيت له الفرصة تلو الأخرى ليتعدل ولكنه لم يفعل ، عندها ... ، سيكون بالمغادرة أولى ، وترك الحجرة خالية بعده ، بات أفضل من حجزه لها وبات هذا الأمر أحرى ، حيث لم يكن جديرا بها ، ولم يعد مؤتمنا عليها ... . ولذا نلاحظ أنها الحجرة الوحيدة التي قد تظل خالية لفترات طوال ، فإما أن تمتلئ بشخص واحد يقيم فيها ولا يرتحل ، وتتعمق جذوره بها ولا تنفصل ، فنُسَخِّر لخدمته العقل والخيال ، والمشاعر والجمال ، والفكر و الجسد بلا فصال ، والروح و العضد بلا جدال ، فهو الخيمة وهو الوتد وهو المجال ، وهو الكتف وهو الذراع وهو الظهر والسند والحق فيه يقال ، وإن لم يكن لنا كما كنا نظن ، وظل باهتمامه بنا يَمُن ، ولفراقنا يحن ، يجرح ولا يداوي ، وأصبح للهجر هاوي ، وهو على البعد ناوي ، فليذهب من حيث أتى ، ولن أسأل بعده ، أين ، وكيف ، ومتى ؟ وخصوصا إن استبدَّ وعتى ، ليرحل وهو سيبقى هو ، ونحن سنظل نحن ، وليترك المجال لغيره ، ويفرغ المكان لمن هو به جدير ، فإما أن نعيد الكرة ، ونبحث عن بديل ، أو أن نبقي الحجرة فارغة وخصوصا إن كانت بعد رحيلهم بحاجة إلى ترميم وتعديل ، - وهي غالبا بحاجة - لأنه من الصعب أن يرحل حبيب دون أن يترك وراءه جراحا غائرة ، ودماء سائلة ، وندوبا ظاهرة ، وكلها بحاجة لوقت طويل حتى تبرأ وتندمل ، وبحاجة لقوة عجيبة حتى ننسى وعنها ننفصل ، ونحن بحاجة لقدرة فريدة وجرأة عنيدة حتى نقرر أن نعيد التجربة لتحيا الحجرة من جديد وتنتعش بساكنها الذي وقع عليه الاختيار ، ليعيدنا للحياة ولها بالقلب يعيد ... .
والحجرة الثانية ( حجرة الأبناء والأحفاد ) وهي حجرة تعني الحياة بلا مبالغة ، يسكنها كل من كان ضمن الحدود ، يدخلها بلا شروط أو قيود ، تقبل الزيادة ولا تقبل الحذف ، تسعد بالإضافة و تحزن عند النقص وتأسف ، سكانها فئة لهم من المكانة مالهم ، ويحظوا بالرعاية التي أوجبها الله لهم ، أحببناهم دون اختيار ، وتعلقنا بهم دون إجبار ، قربهم جنة وبعدهم نار ، ونتعلق بهم بغض النظر عن أوصافهم ، أشرارا كانوا أم من الأخيار ، فليس لنا في وجودهم قرار ، وهذا مكانهم وليس لهم دونه جوار ، وليس لنا أو لهم الخَيَار ، فإن اجتمعوا بها سخرنا القلب والعين لخدمتهم ، فالقلب محلهم وبه مقرَّهم ، والعين فرشهم ومسكنهم ، وجفنها غطاؤهم وكسوتهم ، وهدبها يحميهم وهو مما حولهم مظلتهم ، نمنحهم تأشيرة للدخول بمجرد ولادتهم ، ولكن ليس هناك تأشيرة خروج حتى بعد موتهم ، لأنه سيظل لهم ذكرهم ، وتظل بالقلب منزلتهم ، وتظل الذاكرة تستحضرهم في أيامهم حسب طريقتها وطريقتهم ، وستظل الدعوات تنهال عليهم وتختص بهم .. .
الحجرة الثالثة ( حجرة الأخوة والأخوات والأقارب ) ، وهم أيضا يدخلونها بحكم العلاقة ، دون قياس لقدرة أو لياقة ، وكَيَاسة أو لباقة ، ودون حاجة لتجمل أو أناقة ، فهم بها بسبب الروابط التي جمعتنا بهم ، وسيظلون بها طالما أنهم التزموا بأدبها ، وحافظوا على قوامها وأصل جوهرها ، وعملوا على بقائها وصفاء منظرها ، وسنسخر لخدمتهم الأذن ، واللسان ، والروح ، فالأذن تطرب لسماع كل خير عنهم ، واللسان يلهج بالدعاء لهم والسؤال عنهم ، ويغرد بذكرهم ، وينشط عند الحديث معهم ، ويأنس بمسامرتهم ، والروح ترفرف حولهم ، وبحناياها تظلهم ، وتظل تحوم بأجوائهم باحثة عنهم ، ولا تطمئن إلا بقربهم ، فلا غنى للمرء عن أهله ، ولا يرتاح الشخص إلا بأرضه وجذره ، ولا يأمن إلا بمن هم بعضه ونبضه ، ولكنهم قابلين للطرد إن تجاوزوا الحد ، وغلبهم الحقد ، وظهر عليهم الكيد ، وبنوا بيننا وبينهم ألف سد وسد ، وقصروا في حقنا ، وبالغوا بالصد ، عندها يصبح أولى من قربهم البعد ، فيغادروا ونحن عليهم نأسف ، ونبعدهم ونظل منهم نخف ، ولهم نحن و عليهم نرأف ، فما زال هناك رباط بهم يجمعنا ، وشعرة بهم تربطنا ، واسم بهم يذكرنا ، فلا نقطعه وإن بات الحبل شعره ، ولا نجحده وإن تجاوز ضره خيره ، وفاق طيبه شره ، سيظلون لنا أهل ، وسيظل لهم بالقلب محل يرحب بهم إن عادوا ، ويضمهم متى أرادوا ، ويكفي أنهم بالله يربطونا ، وعلى وصله إن وصلناهم يساعدونا ، إن أعطوا لأنفسهم المجال وأعطونا ... .
والحجرة الرابعة ( حجرة الأصدقاء والزملاء والمعارف ) وهي أكثر الحجرات اتساعا ، وتضم من الأشخاص أشكالا وأنواعا ، تنخفض بهم وترتفع لهم تباعا ، يدخلوها بلا استئذان ، ويسكنوها وتصبح لهم عنوان ، وطيب التعامل قد يشعرهم بها بالأمان ، ولا تتقيد بحدود زمان ولا ضوابط مكان ، قابلة للحذف والزيادة ، والنقص والإضافة ، ونحتاج بها لمختلف أنواع الضيافة ، تلزمنا الثقة في التعامل ، والاحترام عند التواصل ، والصدق والأمانة في المنافع وعند التبادل ، ومراعاة الله في الخصومات لتحقيق التوافق والتكامل ، فيها درجات ومنازل ، وتفاوت في القربى بلا قبول للتنازل ، يرتقي فيها الأشخاص حسب حضورهم ، ويتنقلون بالمنازل حسب مواقفهم وسلوكهم ، فقد يرتقون القمة ، وقد يهبطون إلى القاع ، والفاصل بينهما التعامل ... .
وكل من دخل تلك الحجرة وبها أقام ، بمختلف المراتب والدرجات ، ستجري عليه تلك الأحكام ، وسنسخر لخدمتهم العقل والمنطق ، والإحساس الذي لمكانتهم ومقصدهم سيدرك ، فيرفع من يستحق ، ويخفض من سيخفق ، وسيبقي من يليق ، و يستبعد منها من سيُتْعِبُ القلب مكوثه به ، ولمن حوله سيرهق ، فيخرج منها دون أسف على خروجه ، وستظل بها بصمته وأثره بالفترة الكافية لمحوه ونسيان فترة وجوده ... .
وكل إنسان منا بطبيعة الحال ، يشرف على قلبه دون إدراك ، وينظر في حجراته وإن لم يستطع الحراك ، وله فيه مع ساكنيه أوسع نطاق وعدة أفلاك ، وعقار وأملاك ، فمنهم من يمتلك دون سند ، ومنهم من يستأجر ، ومنهم من يمكث للأبد ومنهم من يغادر ، فهو قابل للامتلاك أو التأجير ، ولكن المقابل له ليس درهم ولا دينار ، ولا ريال ولا دولار ، ولكنهم يمتلكون قلوبنا بالحب والرعاية والاهتمام ، ويسكنون حجراته بالتودد وحسن الكلام ، ويملؤون فراغه بكل انسجام ، فمعهم القلب ينبض دون ارتعاش ، ويحيا دون انعاش ، ولا يحتاج إلى فراش ، حتى من مات منهم سيظل إن به عاش ، فهذا القلب للأحباب مني ، وقد استلمت ثمنه من حبهم ( كاش ) ،
وهنا أدرك بأنه حًسِم النقاش ... .
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد