×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قضايا اجتماعية.. القضية الحادية والعشرون قضية : " التناقض في الشخصية "

قضايا اجتماعية.. القضية الحادية والعشرون  قضية : " التناقض في الشخصية "
 تكثر المتناقضات حولنا ، حتى أننا نحتار في أمرها ، ففي كثير من الأحيان نعجز عن الاختيار فيما بينها ، وخصوصا إذا اختلط خيرها بِشَرٍها ، وسار الجميع في ظلّها ، فنقع تحت تأثيرها ، ولا يخفى على أي منّا دورها ، في قوة الشخصية أو في ضعفها ، فلا نستطيع دفعها ولا منعها ولا حتى ردعها ... .
وكل هذا مقبول ، ونظرا لطبيعة الحياة ، فهو متوقع ومعقول ، نفعل ما يتوجب علينا حياله ، ونخضع له فيما يقول ، وبعد اختيارنا يصبح كل شخصٍ عن أفعاله مسؤول ... .
ولكن أن نعيش التناقضات بداخلنا ، ونرى انعكاساتها على سلوكنا وشخصيتنا ، فهذا الذي أغضب العقل في الأساس ليشجب ، وأوجب على القلب في الإحساس ليحجب ، وأثار الجسد بلا مِساس ليطلب ، وأشار للروح عن الأنجاس لتهرب ، فتحرك القلم في القرطاس يكتب ...
فأصبحنا نرى لكل شخص جانبين ، لينٌ وقسوة ، ضعف وقوة ، جهل وحكمة ، نور وظلمة ، فنحتار بين الأمرين ، لنختار أي الشخصين ، هم روح واحدة وكأنها جسدين ، وبينهما المسافات متباعدة بالرغم من أنهما بين جنبين ... .
وعندما تواجه المرء بتناقضاته ، وتعرض عليه تصرفاته ، وتنتقد أمامه سلوكياته ، يشجب ويستنكر ، ويكذب ويبرر ، ويغضب ويُكشّر ، حتى نعجز لملامحه أن نُفَسّر ، وكأنه مُتّهمٌ بلا جُرم ، وكأن ما نُسِبَ إليه ظُلْم ، ويرفض أن يُصْدَر عليه الحكم ، ولن أقول تلاعبا أو لؤم ، وليس جهلا ولا غُشم ، ولكنه ضحية لتناقضات فرضت عليه قيودها ، وسلبته القدرة على التمييز بين غيابها ووجودها ، حتى أصبحت تقوده وليس هو من يقودها ، وليس هذا لشخصٍ دون آخر ، ولا يحتاج تمحصا فهو للعيان ظاهر ، ننكره وهو فينا ، ونرفضه بغيرنا و يأتينا ، وننتقد تناقضاتهم وعن تناقضاتنا عمينا ، كمن يصدر حكما على جُرْمٍ ويأتيه ، ومن يعاقب على فعل وهو فيه ، ومن ينكر ذنباً وهو بذنوبه - من كثرتها - يتيه ، انشغل بغيره عن إصلاح نواحيه ، فمن يراقب ليس كمن يعيش ، ومن يعاتب لا يستر سوءه سوى ريش ، بأقل ريحٍ ينكشف دون حاجة لتفتيش ، ولا داعٍ لتنبيش ، ولا يمكن لمثل هذا التناقض تجاهلا أو تطنيش ، وهو يظهر علينا كلما انتقدنا غيرنا ، ويشير إلينا كلما ابتعدنا عن أنفسنا ، وانشغلنا عن إصلاحها بإصلاح من حولنا ، وكأننا نذكرهم بنا ، ونلفت أنظارهم إلينا ، ( هانحن ذا ) نحن من ندعي الكمال ولسنا له أهل ، نحن من ندعي العلم ونحن أهل الجهل ، نحن من نرغب بالإصلاح وكأن الأمر سهل ، نحن من نغضب سراعا ، وفي طلبنا للرضا مهل ، نصعد الجبال ونندفن في الوحل ، نريد أن نكبر فليس فينا طفل ، ونكره أن يوصف كبيرنا بالكهل ، نميت فينا القلب ، ولا نريد العقل ، ولا يتضح لنا مبتغى في الأصل ، فقد عجزنا الفصل ، وما استطعنا الوصل ، فهو التناقض ظاهرا في الوضع ، وفاضحا في النقل .

فنحن عندما نراقب ردة فعل الآخرين في أي أمر نطالبهم بالمثاليات ، وننسى أنهم بشرا ، فنرى أي تقصير منهم وإن كان أقلّه خطرا ، وعندما يأتي دورنا لتظهر ردة فعلنا نجد لنا المبررات ، ونذكر أنه القدرا ، وعند أي تقصير منّا نقول : لعلّه خيرا ...
معهم لا بد أن يكون لنا موقف فتصرفهم في نظرنا شرا ، ومعنا لا بد أن نُنْصف و يكون لنا في عينهم عذرا ، فأي قانون هذا ، والذي معهم يكون اليسر عسرا ، ومعنا ينقلب عسرا ليسرا ...
وننسى أننا في الحياة وكأننا نعبرها على جناح له استبحنا الطيرا ، ولا نعلم متى سيحين سقوطنا ، وهل سيكون في نهر أم سنحتضن صخرا ، أم على شجر أم سنراها صحرا ، وأين كان الأمر نهلك ، وإن بقينا ، كأن الموت قال : مهلك ، فهو تأجيل وليس إلا ...
فأين أحلاها ؟؟ وكل الاحتمالات مُرّة ، والنهاية لكل شخصٍ في كلا الحالات مَرّة ، فليكن ظاهر المرء كسِرِّه ، وكما يرغب لنفسه يرجو لغيره .. .
فهو المرور وليس المكوث ، وإن طال العبور ، فلا لبوث ، فأحسنوا فيها التصرف ، دون ميلٍ أو تطرّف ، ولا تعكس المرآة نحوك ، ولا تضع على السكين نحرك ، وانتقي للناس خيرك ، واكفهم سوءك وشرك ، كي ينصلح حالك وأمرك ، وعندها سيكون منها ما يسرّك ... .
وبالنهاية سأقر بأنه لا وجود حقيقة لمدينة أفلاطون المثالية ، ولكن لن يضر لو فكرنا دقيقة ، قبل فعل أو حديث ليكون هناك قابلية ، وتصبح الحياة رقيقة دون ظلم واتكالية ... .
وفي الختام لكم نصيحة ، خالصة مني رقيقة ، مع صديق أو صديقة ، تعاملوا بوضوح وحيادية ، واجعلوا شعاركم " إن التقينا نتفق ، ما بيننا حب وصدق ، لأننا بالخصام سنحترق ، ومهما اجتمعنا نفترق ، فإن فعلنا كان رفق ، وإن تحدثنا بِرِق ، فإن مررنا في نفق ، نجعل من الحب شفق ، يشع ضوءا إن صعق ، كالقمر إذا اتسق ، يظهر منيرا كالفلق ، فذاك حقٌ إن صدق ، وتلك رغبة من خلق ، فهي المروءة بل أدق ، فاسعوا لها فلها السبق ..
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد