×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

حُضن بلا ذراع

حُضن بلا ذراع
 
علياء صالح
سألت أمي فقلت لها : كيف كنتِ قديمًا يا أماه ؟
أجابتني بشموخ يعتلي ثغرها : لقد كنت قوية سامية ، لم أسمح لأحد يومًا أن يذلني أو يسلبني حقي !
ثم نظرت إليّ بحزن يخالطه الفخر وأكملت قائلة : أتعلمين يا ابنتي ، كان لدي أبناء هم أعز أبنائي عليّ ، أزدهر كل يوم برؤية هلاهل الخير في وجوههم ، أستبشر بقادم الأيام إن رأيتهم ، وذات سنوات بؤس وأسى أراد الأعداء أن يكسروني ويذلوني ، فوثب أبنائي في وجوههم وثبة رجل واحد كانوا كالأسود يا ابنتي في دفاعهم عن أمهم !
ضحوا بأتفسهم فعاشوا وماتوا وهم يبرّون بأمهم حتى تبقى صامدة تترنح في شموخها ، فانتصرتُ بعون من الله وهُزم أعدائي ودام مجدي ، والآن كلما لاح لي برق من عز اغرورقت عيناي بدموع الفخر فاختلط دمع الفخر بدم الجاه والشرف !
اتخذت عهدًا أن أحُب ما تبقى من أبنائي وأبناء أبنائي وأهدي لهم خيراتي وأسدل عليهم غضارة حناني ورغد العيش بمعيتي ، وها أنا ذا يا ابنتي اليوم في أحسن أحوالي ، أتقلب في النعماء بفضل الإله الواحد الأحد ..
أرتدي أخضر الترف وأحمل بخاصرتي سيفٌ مُهيب للعِداء ، متكئة على جذع النخل مُستظلة بأوراقها وبيدي تمر كرمها مِضيافةٌ به لكل عابر ، وعلى لساني توحيد الإله حتى غدت الشهادة رمزًا وشِعارًا لي ولكل أبنائي .
يا لها من أم عظيمة ، إنها المأوى والمسكن ودار الولاء والإنتماء .
لا شيء أعظم من أن ينتمي المرءُ لأم كهذه فعلى مدى ثلاثة وتسعون عامًا جادت علينا بفضل الله بالوحدة والرخاء والقوة وجميع آلاء الأرض والسماء ! إنها الأم التي لايمكن عِناقها إلا بالوفاء ، ولا يمكن إحتضانها إلا بالدعاء .
إنها حُضن بلا ذراع ، ومطعم لكل من جاع ، ومحطة لكل متاع ، ومنزل العلم والإبداع ، جنة لكل من طاع ، وحُفرة لكل عدو خان وباع مملكة لخير راع ، ووطن لشعب عظيم شجاع .
ها أنا ذا أنادي بكل فخر وحُب وبصوت عميق يملئ أرجاء الدُنيا :
يا موطني عشت فخر المُسلمين
يا مسكني كنت وستبقى الثمين
يا أرض الأمان يادعوة الجد الحنون ﴿ رَبِّ اجعَل هذا بَلَدًا آمِنًا ﴾
وها أنا ذا بكل عز أصدح بكوني إبنة السعودية العظمى ، سيدة الأوطان وعروس الدُنيا ، إنها بلادي الخضراء ، أرض الحُب والرضا ، وحبيبة الفؤاد التي سكنت في علياء قلوبنا .
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد