×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

قضايا اجتماعية.. الجزء الثالث والعشرون "قضية الحب هل هو داء أم طب"

قضايا اجتماعية.. الجزء الثالث والعشرون "قضية الحب هل هو داء أم طب"
 
حياتنا درب طويل نقطعه ، وفي كل مرحلة تضع لنا مُرشداً نتبعه ، أو تُصْدِرُ لنا صوتا من الداخل نستميت لنسمعه ، وترمي أمامنا صخرا نخور لنجمعه ، أو نستميل لنرفعه ، أو أن نقف من خلفه ، ولردعنا لن نمنعه ، وبجهدنا لن نخدعه ، وبصيدنا لن نشبعه ، وبصدِّه لن نخضعه .. .

نتصادم فيه ومع كل تصادم نعرف الجديد من المهارات ، فهناك من يتقنها ، وهناك من يخور ، كما نتعرف على الكثير من الشخصيات ، فهناك من يفهمها ، وهناك من يجور ، وفي طريقه ينجرف في العديد من التجارب فبعضنا ينجزها ، وبعضنا يثور ، ونجبر على الكثير من التعاملات ، فنكتشف من يلف ومن يدور ،
يبقى الضعيف أسيرها ، قويها يُبْدي السرور ، فيستمر عزيزها ، إن بدَّدت منه الغرور ، ويستقر بروضها إن تعود عالحضور ، وكلنا على البقاء بساحها مجبور ، ولأننا نبقى بشر نحتاج عونا في العبور ، فالطريق مليئة أشواك من فوق الجُسُور ، ولن يطيق صعودها إلا قويٌ أو جسور ، والشخص يقوى بالأحبة ، بوجودهم هان المرور ، بعونهم زان الشعور ، حتى الحياة بظلهم صارت حبور ، أشواكها أضحت زهور ، ترابها فرش طهور ، فيها غدونا كالطيور ، محلقين كما الصقور ، فاحت كمسكٍ ، طيبها مثل العطور ، فهم الأحبة كل صعب معهم يصبح يسير ، وجودهم من حولنا دفع المسير ، بقربهم ما من قيود ، فلم يعد فينا أسير ، بحبهم ما من حدود ، حباً بريئاً هو اتكاءٌ للحسير ، قرباً مليئاً بالعطا ،إن لم يفدنا لا يضير ، يصبح جريئاً إن خطا نحو الهوى مامن ضمير ، يصبح مسيئاً إن غدا متجاوزاً ، والمسيء بفعله حتما خطير ، يغدو مخيفاً ، فالفراق لمثله بات المصير ، لا اتفاق ففعله قال الكثير ... .

رفقاً أحبتنا بنا ، أرواحنا ليست دمى ، صدقا منحنا حبنا ، لم نرد منه العنا ، عمقا رجونا صدقنا ، قد صَدَمَنا من جَنَا ، رقاً أردتم قربنا ، لم تعرفوني ، من أنا ؟ ، سأظل قابعة هنا ، عقلي لقلبي إن ونا ، حتى يعود لما بَنَى ، فالنفس قد ضاقت بنا ، والروح تطلب من لِقُرب قد دنا ، لكنها تأبى الخضوع لمن بجرأته دنا ... .

بالحب نبقى ، وبالحب نرقى ، وبالحب نُسقَى همة ، تمنح لخطوتنا سنا ، إن كان في طهر سما ، إن كان في صدقٍ علا ، إن كان من كذبٍ خلا ، إن كان في قلبي سرى ، أو كان في عقلي طرى ، أو كان في جسمي جرا ، أو كان في أمري درى ، أو كان فكري قد يرى ، فهو الحبيب ، وهو القريب ، لما لصاحبه اشترى ... .
وهنا ، يصبح الحب شفاء للعليل إذا اشتكى ، وهو الدواء إذا لحزن قد بكى ، وهو العطاء إذا بفقد اكتوى ، أو لصدٍّ احتوى ... .

لكنه يضحي مراراً إن لدمع أرغما ، أو لقلبٍ ما حمى ، حُرِم الشعور فَكَشَّرا ، خنق الصدور فأطبقا ، سرق الفؤاد فكسّرا ، حرق الدماء فبخَّرا ، خرق العهود وفي السماء فطيّرا ، طرق الحديد وصبّه صوتا تصدّع في المسامع سَطّرا ، نقض العقود فعاد خاوٍ أخسرا ، رفض الحدود فَسَاد صمتاً أجهرا ، ينطق فراقا دون حرفٍ أظهرا ... .

وهنا صار حباً جائرا ، وهو داءٌ في القلب يرتع ، فلا دواء ينفع ، ولا رجاء يشفع ، ولا
ضياء يسطع ، ولا وفاق يجمع ، ولا نداء إن علا حقا سيسمع ... .
فكما ينقذنا الحب أحيانا ، نراه قد يقتلنا في أحيان أخرى ، وإن وجدناه يوما فانتفعنا ، أضعناه يوما وأضعنا معه ما جمعنا ، وتلك الحقيقة بالذكر أحرى ، فمن كان بحاجة لحبيب فليطيل البحث ، فهو نادر ، وأظنه بعد التجارب صار بصفات الصدق أدرى ، فإن وُجد سيكون أقوى ، وإن فُقِد فالفقد قاسٍ ، لكن حياتي مع رفيقٍ قد قسا ، لا شك أقسى ... .

ويبقى الحب هو الحب ، قد ينعش القلب ، وقد يلقي بنا في غياهب الجب ، وقد يحضر لنا ، وربما عنَّا يَغِب ، قد نحتضر من أجله ، وقد نطب ، قد نبتعد عنه ، وحينا نقترب ، لا تسألوني ما يكون ؟ فإن عرفتُ ، فلن أُجِب .. ، فهو الغامض المعروف ، وهو النابض الملهوف ، وهو الساتر المكشوف ، نرجوه أو كنا نعوف ، فهو الصرف والمصروف ، وهو الوصف والموصوف ، وهو الخاطف المخطوف ، وهو الجريء بلا كسوف ، هو الردف والمردوف ، له نسعى وبه نطوف ، نقوى به ، فَلِحَدِّهِ عزم السيوف ، نضعف به حتى وإن كنا ألوف ، قاسٍ و بلطفه محفوف ، وهو الحياة لمن وضع النقاط على الحروف ، وهو الممات لمن ظل في متاهته يطوف ، وهو البداية ، تحلو بساحته الوقوف ، وهو النهاية ، تجثو لهامته الحتوف ، يحيا ، بأن يبقى شغوف ، ويموت إن صار التعلل بالظروف ، في وصفه تاه الكلام ، وفي جرابي لم أعد ألقى الحروف ، منه الضحايا في صفوف ، من أجله جئنا نغني بالدفوف ، و لرقصه أوتار قلبي لحنت ضرب الكفوف ... .
التعليقات 0
التعليقات 0
المزيد