×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
محمد آل الياس

تصوير الجمال ...رواياتنا أنموذجا
محمد آل الياس

إن منطلق الجمال، منطلق رحب واسع، يتسع في هذا الكون لكل أصنافه، ومجالاته، فمهما سرت في أي طريق شئت، إلا ولا بد أن ترى علامة من علامات الجمال، حتى في تلك المناظر القبيحة، التي تزدريها العين، فإن ساعتها لن تفكر، ولن نتبصر إلا ذلك الشؤم الذي يرتسم على ذلك المنظر، وما إن تجول بالفكر من حولك، لتجد الجمال متربعا في طرفه الآخر، وكأنه يهمس إليك لا تيأس فما بعد القبح، إلا الجمال.
وإن كثيرا من تلك المساوئ إنما هي من صنع أعيننا، وإن لم تكن العين هي الصانعة، فلابد من عبث اليد أن تشترك في ذلك.
الجمال هو حالة راسخة في الوجود، لا يستطيع أحد أن ينسلخ منه، إلا أن يكون معدوما من الأحاسيس البشرية، والعواطف الإنسانية، وهذا بلا شك لا يكون في إنسان سوي، لا تشوبه شائبة الخلل العقلي.
إن التجول بالقلب والعقل في هذا الكون الفسيح، وفي هذا العالم المتسع بكل طبقاته، وأجناسه ، سترى علامات عجبا ، وآيات جللا، توحي لك ببدعة الصنع، وحكمة الخالق، وقدرة الرب الرحيم، الذي يريد من الإنسان أن يضل حتى وهو في هذه الحياة العابرة، مرتبط به، فالتفكر في تلك العلامات، يدلك على أنه الخالق جل جلاله.
إن حياتنا اليومية تتصف بألوان وأشكال عدة من الجمال، فالرجل مع زوجته، يعيش في حالة مستمرة من الجمال ليس الجمال الجسدي، فإن وجوده بمفرده دليل على ذهاب المشاعر، إنما ذلك الجمال الذي تحويه العواطف، وتنطق به المشاعر، العطف من كلا الشخصين ، رغم أنهما كانا في يوم من الأيام غريبين عن بعضهما، واليوم بوصلة الزواج تجد هذه المشاعر، وإن اتخاذ بديل غير ذلك لن يشعرك في يوم من الأيام بذلك الجمال الرائع، الراقي حتى في تعامله، فكل يحاول إرضاء الآخر لا من أجل أن ينال منه شيئا ويرجل، إنما من أجل أن تستمر الحياة بينهما إلى آماد بعيدة، وسنوات مديدة.
اخرج وابحث في هذا الكون عن رابطة تشبه رابطة الزواج، هل ستشعر بذات الجمال، صديق وصديقة، يتجولان طوال اليوم مع بعضهما، يظن الظان أن الحياة بينهما آمنه، فارجع وتأمل كيف الاستقرار؟ ومن أين يأتي الأمان؟ وكل منهما متيقن أنه لا محالة سيفارق في يوم من الأيام، لا بموت أو فقد، وإنما لأن الآخر وجد أفضل منه، وكل منهما يخشى على الآخر من أن يرى أحسن منه فيرحل عنه بلمح البصر، فعندها يهيم على وجهه غافلا تائها، لا صديقا مرشدا، ولا خلا وفيا، وإن عند رابطة الزواج تضمحل تلك الخزعبلات.
تأمل في تعامل الوالد مع ولده، كيف الجمال يحويهما، وكيف زرع الأمل يؤرق والده، وإنبات المستقبل يحير أمره، يطير فرحا لفرحه، ويتفطر قلبه عند مجرد الإحساس بفقده.
الجمال هو معنا أينما رحلنا، وأينما استقرينا، في أي بقعة، وفي أي مكان، جمال في الكون، وجمال في النظر، وجمال في الخلوة، وجمال حتى في أشد أنواع الحزن، وفي لحظة انهمار الدمع على تلك الخدود، كل ذلك ملامح من ملامح الجمال، ولو كتبنا السطور الكثيرة، لنصور حالات الجمال، لأيقنت أن كل ما يحاط بك هو الجمال، وأن القبح هو الصورة العابرة، وأن البؤس هو الرحلة السائرة، في زمن امتحان واختبار، لتعود إلى الطبيعة الحقيقية هي الجمال.
إن الإشكالية التي تواجهنا اليوم ليس في ذات الجمال، إنما هو التصور الحقيقي للجمال، بين حكاية الواقع، وتصوير الجمال في الواقع، بين أدوات الجذب في الجمال الضروري، وبين أدوات واقعية الواقع، في تصوير حالة الهبوط والنزعة الحيوانية، وحالة العلو والرفعة الإنسانية.
إنه وللأسف نجد كثيرا من كتابنا، من يدعي الواقعية في الطرح، وأنه يريد ملامسة الأحداث السائرة، والساعات الحاسمة، فيأتي ويخلط في تصويره، عن جهل منه، أو بقصد منه، بين تصوير الواقع في حالته الحقيقة، وبين وصف الواقع وكأنه صورة من صور الجمال.
إن الجنس اليوم يطغى في جميع الكتابات، بل هو وسيلة أصبحت رائجة للجذب، وسيلة دعائية من أجل أن يتكسب من وراء السلعة المعروضة، على حسب تصوير رحلة الهبوط، وكأنها رحلة عزة، وجمال، رحلة النكسة، وكأنها رحلة اللذة والمتعة.
إن التفريق مهم بين تصوير حالة الواقع بواقعيته من الهبوط وبين تصوير الواقع بواقعيته من الرفعة، أمر غاية في الأهمية، فالكتابة هي رسالة تبعث للقارئ، وحرف يوحي للقارئ، وكلمات تصور للقارئ، ففي النهاية لابد أن تحترم ذلك القارئ، وأن تصور له الحقيقة الواقعية، على أنها مرحلة هبوط، أو مرحلة علو ورفعة.
إن مرحلة الهبوط لابد أن توصل بحرف كسير، وكلمة فيها معنى الحسرة ، تدل أن ذلك الأمر هو السوء بعينه، بخلاف تصوير حالة الرفعة.
إن ما نجده اليوم في رواياتنا من تصوير حالة يستحي المرء من كتابتها، بل لا يكتفي الأمر بالإخلال بالمنظومة الأخلاقية، إلى أن يذهب بالقارئ أنها حالة لذة، وحالة شوق وهيام، كأن الأمر فوق كل المحاذير، فلا أمر يردع الحب إذا علا، إلى أن يفضي كل منهما إلى الآخر، فيصور الحب ذلك الجمال الرائع، بشهوة هابطة، ويصور ذلك الاتصال الذي يكون بغطاء الستر والحشمة، بلحظة سافرة، فيضيع الجمال بزعم تصوير الواقع.
إن الواقع الحقيقي لتلك الشهوات السافلة، لابد أن تبقى في التصوير سافلة، لا أن تكون في الكلمات المتطرفة، والعبارات العابرة، فلابد من مصاحبة التصوير لكل ذلك.
أرأيت صور لحظة الهبوط في قصة يوسف، ولحظة الشرف في قصة الزوجية في سورة البقرة:" فقال هن لباس لكم وأنتم لباس لهن".
واعلم أن بضرب هذا المثال سينظر البعض ويطرق رأسه ويقول ... ولا حاجة لذلك المقولة لأنها معلومة بالضررورة.
زد على ذلك ما ترى من الكلمات الهزيلة والتعبير السيئ ، وإدخال الكلمات السوقية ، وكأنه يخاطب مجموعة ممن أدمنوا الخمارات والمراقص الموبوءة ، ليسطر في آخر الكلمات أنها كتابة للمجتمع ، من أجل المجتمع ، فأين احترام المجتمع ؟؟؟
لابد أن نكون في اتجاه واحد، ودعوة واحدة، وهي تصوير الواقع بحقيقته، فحالة الهبوط لابد أن تكون هابطة، وحالة التحول إلى السوء لابد أن تكون في إطار السوء، لا أن يتحول إلى عزة وقوة، وبغير ذلك سنوصم بتناقض الطرح والفكرة، وعندها سيخلط الناقد بين التصوير، وبين الواقع، ليعود بأصل الفكرة إلى النقض والتحطيم، فلا تلمه على ذلك، لأن الكاتب هو من سبب الخلط عنده.



محمد آل الياس
m.a.d.y@hotmail.com
بواسطة : محمد آل الياس
 4  0