×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
الدكتور زيد بن محمد الرماني

مجتمع الإعاقة والتأهيل ؟؟
الدكتور زيد بن محمد الرماني

لقد ولّى الزمن الذي اعتبر المعاق فيه عبئاً على مجتمعه، فهو الآن إنسان كغيره من أفراد المجتمع، له دوره التنموي الذي يتناسب مع وضعه الخاص وله حقوقه وبرامجه. بل لقد حرصت الأمم المادية على المردود التنموي في الكثير من الحالات فلم يعد من المنطقي أن يهمّش دور المعاقين إلى درجة الإهمال وتحويلهم إلى عالة على الدولة وعلى أسرهم وهم طاقة قادرة على الإنتاج إذا ما أحسن توجيهها وتدريبها والنظر إليها بشكل علمي.
ولذلك كله تحرص الأمم على وضع الإستراتيجيات المسبقة للوقاية من الإعاقة، والبرامج الكفيلة بالحد من تأثير الإعاقة ثم تضع أخيراً نهجها لتأهيل العاجزين والمعاقين.
لقد قرّر الإسلام احترام الإعاقة كقدر واقع لا يعيب الإنسان ولا ينقص من قدره. وقد عاتب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم في إعراضه عن الأعمى، فقال عز وجل ((عبس وتولى، أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى)) عبس/1ـ3. وفتح الله سبحانه على بصيرة الأعمى عوضاً عن بصره فكان يحسّ بالأعداء ويقاتلهم. كما وجّه الإسلام إلى الابتعاد عن المخاطر المؤدية إلى الإعاقة، وهو بذلك يجعل الوقاية من الإعاقة طاعة والتزاماً.
لذا حرّم الإسلام كل مسكر ومفتِّر ومخدِّر، لما له من فعل سلبي على النفس والمجتمع. والعلم الحديث يربط الآن بشكل مباشر بين العديد من التشوهات الخلقية والإعاقات والأمراض النفسية والسرطانية وبين الإدمان.

إن للإسلام تصوراً شاملاً للإنسان، فهو ليس مجرد خلايا مكونة من لحم وعظم وعصب، ولكنه جسد ورح وجاه وحسب ونسب وعواطف وصحة وروحانية وهدف وآمال وآلام وتاريخ. فإذا ما أصيب الإنسان بإعاقة جسدية أو نفسية فهو مدعو لأن ينظر إلى بقية ما فيه من قيم ومعاني وقدرات وهذه الدعوة بحد ذاتها تحرير للمعاق.
يقول أحدهم:
إنْ يأخذ اللهُ من عينيَّ نورَهما ففي لساني وسمعي منهما نورُ
تاريخياً، يعتبر الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول مؤسس لأول مؤسسة لرعاية المعاقين في الإسلام، إن يكن في تاريخ البشرية فهو أول من سنّ النظام الاجتماعي لحماية المستضعفين والطفولة وذلك بإنشائه للديوان المنظِّم لهما. مما يعني أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد أنشأ منذ أكثر من 14 قرناً من الزمان وزارة للإعاقة والتأهيل.
يقول الأستاذ الدكتور محمد بن محمود الطريقي في كتابه النفيس ((مراحل حاسمة)): وقد استمر نهج الفاروق في الدولة الإسلامية اللاحقة، فأنشأ الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز ديواناً للقضاء على التسول والمسكنة.
وفرض المنصور للأرامل معاشاً، كما فعل المهدي قريباً من ذلك بفرضه للمجذومين والعاجزين راتباً ثابتاً. وأنشأ عبد الملك بن مروان أول مؤسسة لرعاية العجزة والمصابين بأمراض معدية في التاريخ في دمشق وتبعه أولاده في ذلك.
وعلى العكس هذه الأحوال في أوروبا، كانت حالة المعاقين، خلال القرون الوسطى حتى القرن الخامس عشر الميلادي. فقد أورد محمد عبد المنعم نور في كتابه ((الخدمة الاجتماعية الطبية والتأهيل)) أن التعامل مع المعاقين كان فظاً يتضمن اعتقال المعوق وتشويه جسده، كما يتضمن أحياناً الحرق أو الإغراق أو الشنق.
إنّ من بدهيات التنمية المستدامة الاستفادة القصوى من الطاقة البشرية لكل مجتمع من المجتمعات طريقاً لتحقيق القدر الأكبر من الدخل القومي والفردي المؤدي إلى تحسين حياة الناس.

وحيث إن الإعاقة تمثِّل حوالي 10% من مجمل المجتمعات العالمية، فالأمر عندئذ يتعلق بحوالي نصف مليار إنسان هم جزء من برامج التنمية في بلادهم فإما أن تقوّى قدراتهم إلى درجة التحول إلى قوى منتجة وإما أن تُضعف هذه القدرات عبر إهمالهم والتركيز على إعاقاتهم.
ومن بدهيات التنمية الشاملة أيضاً أن يؤهِّل هذا المجتمع المعاق بحيث يصبح متساوياً في حقوقه مع الأسوياء وعليه من المسؤوليات ما تجعله ضمن دائرة المنتجين.
وفي المقابل قد يتحول المعاق إلى عبء تنموي وأخلاقي إذا ما بقي بعيداً عن التأهيل بكل مستوياته ووصل إلى حافة الفقر والجهل المؤديان حتماً إلى العديد من التعقيدات المزمنة التي يعانيها مجتمع الإعاقة في معظم أنحاء العالم الثالث.
ختاماً أقول: لتحقيق القدر الأكبر من التنمية عبر مجتمع الإعاقة أي للاستفادة للحد الأقصى من التأهيل لابد من المرور في المحطات التالية:
1ـ توافر قاعدة معلومات دقيقة ومتجددة عن مجتمع الإعاقة.
2ـ ترابط معلوماتي وعملي بين الهيئات الطبية والاجتماعية.
3ـ تشخيص دقيق لحالات الإعاقة.
4ـ التربية الخاصة.
5ـ الرعاية الصحية.
6ـ التأهيل المهني.
7ـ التأهيل الاجتماعي.
8ـ التأهيل النفسي.
ولا عجب إن قيل إن التأهيل بأنواعه هو استعداد روحي.





أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

للتواصل : zrommany3@gmail.com
بواسطة : الدكتور زيد بن محمد الرماني
 0  0