×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
أمل التركي

رأس الخروف .. رواية من أدب المطابخ !
أمل التركي

قال الراوي :
في إحدى الليالي الخوالي وفي غيبة أم العيال , أحسست بالجوع فقررت أن أتجاوز الخط الأحمر وأعمل طبخة على مزاجي أدعم بها جبهة الضمور والتردي بعد أن عانت معدتي وحلفاؤها من وجبات المطاعم . فدخلت المطبخ دخول الفاتحين الجائعين , وفي نفسي أمل أن أجد قطعة هبر حتى ولو كانت من السنين الوسطى . وفي ساحته توقفت كجنرال يخطط لمعركة .. فبدا لي المطبخ وكأنه متحف . وبجوار طاولة مباحثات شوربة العدس جلست ووضعت كراع على كراع , أتأمل وأفكر حيث الماء والخضراء والباذنجان ( ثلاثية الإلهام والإيهام ) , فتوهمت حين رأيت أنني أحد الباشوات ! صحون وملاعق وأباريق وصوان وكاسات وقدور راسيات تكفي لعزومة الأمم المتحدة ومجلس الأمن .
وبما أنني كنت في خلوة مع نفسي أطلقت لفكري وللساني العنان وشرعت في ضبط برمجة مخي وفتح ملفاته واستعادة كل ما في سلة محذوفاته من أيام الجاهلية الأولى ( العزوبية ) .. لذلك أخذت أهيجن حينا , وحينا أقلبها مواويل ( والقرع لما استوى قال للخيار يا لوبيا ) فتذكرت أن خياري هو البحث عن " هبرة لحم " ففتحت الفريزر ونظرت في أسفله فكدت أطبق بابه , إلا أنني تلقيت برقية من قائد الجبهة المعويّة ( المصران الأعور ) يحثني فيها على عدم الاستسلام .. فهو يعتبرها معركة مصير .. حيث عانى كثيرا من النكبات والنكسات . لذلك وبناء على طلب سيادته أخذت أتفحص دهاليز الفريزر وكأني مفتش طاقة نووية . فلاح لي من بين الركام شيء ما , فتناولته فإذا هو رأس خروف مسلوخة براطمه ، فبدا وكأنه يضحك ! . آه .. يا بو ضحكة حلوة .. وآدي بوسة .
يا ترى في أي شهر ؟ في أي سنة ؟ مش فاكر !
ومالو !
كان من الممكن أن أكتفي بهذه الخبطة العشائية من تقصي الحقائق إلا أنني عزمت على أن أتفحص بكل دقة فكانت المفاجأة التي أذهلت مصارين بطني ( معلاق بكامل محتوياته وكرش بمصارينها ) . وبحسب خبراء الكروش فإن أعلى نسبة بروتين موجودة في الكرش . لا بد من فتح ملف للتحقيق مع سيادتها فهي المسئولة عن الأمن الغذائي وإدارة شؤون المطبخ . لكن أم العيال تملك حق النتف والنسف " الفيتو " .. والقانون لا يحمي الجائعين .. والديمقراطية المحشيَة تقول : تشوف , آه . تسمع , آه . تتكلم .. لأ . خوش ديمقراطية !
كانت فرحتي بالكشف عن الرأس وملحقاته أكبر من فرحة مكتشف رأس الرجاء الصالح ! . لذلك أخذت أتأملها وتنهدت متحسرا وتذكرت الجاحظ وقصته التي أوردها عن الست " معاذة العنبرية " حين أهدى لها ابن عمها أضحية .. فانتفعت بكل ما في الذبيحة حتى الشعر والبعر . والعجيب أن الجاحظ أورد تلك القصة في كتاب البخلاء .
كانت تلك هي الرواية وفي عالمنا العربي نحن بحاجة الى سياسة الست " معاذة " في كل مطابخنا : السياسية .. الاقتصادية .. الاجتماعية .. العلمية . سياسة - كما قالت معاذة - تقوم على وضع الأمور مواضعها وتوفيتها غاية حقوقها .. وأن تضييع القليل يجر الى تضييع الكثير .
والمصيبة ليست في المطابخ ولكن في المطبخجيَة .. فمطابخنا على أحدث طرز وأصغر مطبخ في عالمنا العربي أكبر حجما من البنتاجون ! .
دمتم في رعاية الله سالمين
بواسطة : أمل التركي
 14  0