×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
سديم العطوي

نزهة المشتاق في اختراق الأسواق !
سديم العطوي

قال الراوي : دخلت المطبخ وإذا المتحدثة باسم البيت واقفة تسوط القدر , وكانت رائحة الطبخ تبعث الأمل في عشاء دسم ( منسف بالجريش ) . تذكرت وأنا أحوف القدر وأستنشق عبيره - أياما خلت حين كانت صاحبة البيت تركّب قدر العشاء قبيل الغروب . تذكرت كذلك أن هذا اليوم قد صادف يوم ميلادي المجيد , ولا بد وأن رفيقة الكفاح أرادت أن تحتفل به لتذكرني بأيامي الغابرة . وبينما أنا سارح في خيالاتي البعيدة سمعت عبارة أعادتني إلى مسرح الطبخ والنفخ . لا بد وأن الصوت قادم من حنجرة أم العيال وليس من قعقة المواعين . فقالت حفظها الله جهز نفسك بعد العشاء ! . فقلت لها وأنا أنظر إلى بقبقة القدر : إلى أين ؟ . فقدحت الزناد تحت الموقد ثم قالت ساخرة : إلى موزامبيق !. وهذا يعني أنها ستأخذني في رحلة استكشافية إلى أدغال السوق . لذلك سدت نفسي عن العشاء .. وعلمت أنه لا احتفال باليوم الذي شهد صرختي تحت جذع طلحة . ذلك اليوم الذي سقط عمدا من ملف تاريخها التليد . فقلت وأنا أشكي هم السوق : ألا يمكن التأجيل ليوم آخر ؟ فقالت وهي تشير بمسواط القدر : كلا . إن الأولاد حفاة عراة , وأن غدا حفل زواج فلان على فلانة ! يآآه ! لا بد وأن أصغر واحد من أولئك الحفاة العراة لدية من الهدوم والأحذية ما يفوق شراتيح المسكينة " إيميلدا ماركوس " . لذلك غادرت ساحة المطبخ أجر أذيال الجوع أنتظر ساعة الخلاص من العشاء . فذهابي إلى السوق على لحم بطني خير لي .. ذلك أني أعلم أن أمامي سباق مراثون خلف أم العيال .
نظرت إليّ أم العيال فلم يعجبها مظهري الخارجي ( بنطال وبلوزة نص كم ) لزوم الشغل , فأنا أعمل سائق شاحنة " عنترناش ". والحقيقة أنني أرى أن الحياة كلها " نص كم " فكان مظهري يوحي بأنني قادم للتو من بنقلاديش فقالت : وراك ما تلبس هدومك ؟ فقلت ساخرا : لكي يعتقد من يرى أنني سواق حضرتك .. فخرجت وسبقتها الى السيارة , فكان أن جاءت وركبت في الكرسي الخلفي . فعلمت مغزاها ودوران مغزلها .. فتذكرت شريطا فيه أغنية هندية كان في الشاحنة , فأحضرته وقمت بتشغيله ورفعت الصوت .. فصرخت بي من خلفي : وش هذا ؟ فقلت لها : لكي يكتمل المشهد يا عزيزتي .
تذكرت وأنا أسير نحو أدغال السوق ذلك العبقري الإدريسي صاحب كتاب " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق " والذي حوى أكثر من ألف خريطة لكن ليس فيها خريطة تدلني على مسالك ومهالك مراكز بيع الملابس .. وأمامي مائة إشارة وألف مطب , وساهر يترقب ضحيته . ومن مركز إلى مركز وعند أم العيال أمل أن يكون المركز التالي أفضل من السابق ( يا ليل مطولك ) . وفي أحد المراكز كانت أم العيال بجواري تبحث عن ضالتها , وقد أطالت البحث فالتفت إليها بعد سهوة مني فرأيت في يدها قطعة ملابس لطفل صغير , وبحسب علمي أنه لا يوجد عندنا طفل بهذا المقاس , وبسرعة خطفت القطعة من يدها بقوة وأنا أتمتم بكلام لا تفهمه .. فنظرت وإذا هي إمرأة أخرى , وإذا زوجها واقف بجوارها يضحك ..
كان ذلك الموقف كفيل بأن يخرجني من دهاليز السوق , بعد أن طفنا سبعة مراكز . فقلت لأم العيال بأن هناك مركزا جديدا , فلم تكذب خبر . وعلى الفور توجهت بها إلى حيث كانت تعتقد , فتوقفت بها عند بوابة مركز الصحة النفسية .. وهناك ضحكنا , وعدت بنا سيارتنا فسبقنا ظلنا .. إلى حيث قدر الجريش وبدون أن نشتري شيئا .
وحول الصحن كامل الدسم تفقدت ملابسي واستعرضت أل " made in " ياباني .. كوري .. هندي .. تايلندي .. صيني .. تايواني .. إلخ . فقلت في نفسي وأنا أسكب المرق على آخر ما تبقى من المنسف : دحنا عريانين يا قدعان ! في وقت كنت قد شاهدت دعاية لمنتج على إحدى المحطات الفضائية يقول : بكل فخر صناعة عربية . وهذا الفخر عبارة عن بسكويت أرى أن " كليجا " العجوز أم صالح أخير منه .
ذلك ما رواه لي سائق العنترناش بعد أن تفقد زيوتها وفراملها " التش تش " استعدادا لنزول الخريطة .. وقد صغته في هذا القالب .
حفظك الله يا صديقي .. على أمل أن ألقاك في موقف جانبي آخر .
والسلام
بواسطة : سديم العطوي
 1  0