×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
عبير خالد

لماذا يهربون!
عبير خالد

أتساءل كثيرا عن سبب هروب تيمورا في (كافكا على الشاطئ) من منزله لأبعد منطقة يابانية ليعيش في أحد مكتباتها، أتساءل عن (سدهارتا) الذي غير مكانه وحضارته وشكله في طريقه للبحث عن ذات ضائعة وسط الموروثات المجتمعية، عن آغا في (جسر على نهر درينا) الذي قتل نفسه بسبب العادات والتقاليد، عن فاطمة في رواية بثينة العيسى (كبرت ونسيت أن أنسى) حين هربت من منزل زوجها وتبرر «لن أتساهل مع العقد حول عنقي بعد الآن»
لماذا تختزل الحرية، بكثير من الروايات، في الهروب والتحرر والاصطفاء والانتشال الفردي غير الجمعي، نعم، كل هارب من هؤلاء كان لديه ما يدفعه لذلك ولكن ألا تكون الحرية بالتغلب على القيد وحلّ الصفد بدلاً من الهروب منه وتركه جاهزا للشخص اللاحق أو بالأحرى، الجيل اللاحق!
تجيبني امرأة كانت تجلس بجانبي بمقر إحدى السفارات الأوروبية بالدمام، «المجتمع هو السبب»، أسالها: «إذا كان المجتمع بتناقضاته دافعا لهروب البعض فلماذا لا نعالجه سوية. أليس هروبهم خيانة؟»، تجيبني: «الهروب كسل وليس خيانة، إننا نتكاسل من إعادة ترميمه لو حصل واتحدنا لإصلاحه ستكون كلفة الإصلاح باهظة»، حسناً، لقد أقنعتني بصراحة، ولكن، يعجبني صبغ هذا الهروب بشيء يحبه الهارب، قال نزار : «عيناك آخر فرصتين متاحتين لمن يفكر بالهروب، وأنا..أفكر بالهروب» أما بورخيس فذهب إلى أبعد من ذلك: «العالم مكتبة، كل كتاب فيها أيضا هو مكتبة» وفي مؤلفات السير الذاتية للأدباء والمفكرين نجد الهروب يتكرر عند كثير منهم فمنهم من قلب بوصلة حياته كـ(تولستوي)، أو فرّ منها كـ(هيسة) أو تغير بتأثير رجعي للنفي عنها (كما حدث لدستوفسكي) وما كانوا ليفعلوا ذلك لولا التجاوزات التي كانت تضيق الخناق عليهم.
بواسطة : عبير خالد
 8  0